كفانا خداعا للناس

بتاريخ :الأربعاء 25 اغسطس 2021

الناشر :انعام   عدد المشاهدات : 432 مشاهدات

موقع الراي المصريه 
كتب د_بركات الكريمي
 أغلبنا كمحاضرين تنميه بشريه نكذب بحسن نية على الناس حينما نخبرهم أن بإمكانهم جميعاً النجاح نلعب بأفئدتهم حينما نحكي قصص من صنعوا المستحيل، وحطموا القواعد، وأذهلوا الدنيا نخدعهم حينما نضعهم في زاوية ضيقة، وننهال عليهم بكلمات كالسياط عن وجوب إخراج المارد الكامن، وتحرير الشخصية الأسيرة، والوصول إلى قمم المعالي! 
بحسن نية أو ربما بسوء نية نغفل دور الظروف الاجتماعية، والسياسية، والبيئة والتربية، والإرث الجاثم فوق صدورنا، ونحن نتحدث عن إمكانية كل واحد
 في حديث عبقري للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيه أن يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، خالي الوفاض من الإنجاز، صفر في تحقيق النتائج الإيجابية، لكنه مع ذلك لا يصفه بالفاشل، بل يخبرنا أن أبواب الجنة تفتح له يدخل منها راضياً ممتناً، ذلك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يتعامل معنا بمنطق البشر، بل إنه ـ جل اسمه ـ يعاملنا بمبدأ الجهد المبذول لا النتيجة المتحققة من جهة والإعذار 
 ما الذي أود قوله؟! 
أنا ممن يمقتون الفشل واليأس وانعدام المقاومة، وهذا مما لا بأس فيه، لكننا بحاجة إلى أن نفهم جيداً أن قدرة الناس على التحمل متفاوتة، وعدم تحقيقهم للنتائج لا يعني في كل الأحوال أنهم فشلة سيئين، نعم من واجبنا أن نحفزهم، ونحرك هممهم، لكن علينا قبل ذلك أن نرفق بهم، ونتفهم ما هم فيه، ولا نكون عوناً للأيام عليهم، ولا نزيد الثقل الذي وضعته الحياة على كواهلهم.
 إن المصلحين، والملهمين، وأصحاب الرسالات في كل زمان ومكان، كانوا قادرين على تحريك الهمم من خلال تفهمهم للطبيعة البشرية، وتقدير عامل الضعف الإنساني، كانوا يتفهمون الناس أولاً قبل أن يفهموهم، كان الرجل يأتي للنبي وقد أتى بالذنب فيحزن عليه قبل أن يحزن منه، كان يرى الظروف التي أدت به إلى الخطيئة دون أن يغير هذا من كونها خطيئة تستوجب الاستغفار أو حتى العقاب، حتى أنه في مرة غمز أصحاب النبي محمد أحدهم وقد أتى به مراراً وقد شرب الخمر فنهرهم مذكراً أن لعل هذا الذي تزدرونه يحب الله ورسوله، ولا يعد هذا بأي حال من الأحوال تبريراً للخطأ وموافقة عليه، لكنه يوجه النظر إلى أن الناس تحب أن تكون عند حسن الظن 
لا زلت عند رأيي بأن المرء منا يجب أن يقاوم، وعليه ألا يصنع من الظروف شماعة يعلق عليها فشله وتراجعه، لكنني أهيب بنفسي وبكل من يتصدر الحديث للناس أن يخفف من خطاب اللوم، ويجعل حماسته أكثر واقعية، ويعلم الناس كيف يوسعون خياراتهم، وأن عليهم كثيراً أن يتعاملوا وفق المتاح لا وفق ما يأملون علينا ـ إن كنا صادقين حقاً ـ ألا نجعل من تجاربنا الشخصية إن كان التوفيق ملازم لنا هو المعيار الذي نحكم به على الناس ونحاكمهم عليه وأذكر نفسي وإياك أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يواسي نبيه حينما ناله الأذى من أعدائه قال "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون" ذلك أن العظماء لا يغضبون، لا يستاؤون، لا يتكبرون حينما تواجه دعواهم بالتكذيب أو السخرية، وإنما يواجهون هذا بالحزن النبيل، الحزن على بعد الناس عن الحقيقة، الألم على ما أصابهم من وهن، حتى وإن ناله جهلهم وآذاه! 
وعندما نحزن عليهم سيفهون أننا نشعر بهم، سيتأكدون من أن كلماتنا مجردة من المصلحة، سيفهون أننا نريد لهم الخير أما التكبر، والاستهزاء من أوضاعهم، ومقارنتهم الدائمة بمن لازمة التوفيق لزمن، فهذا مما يؤثر سلباً عليهم ويؤذيهم فكفانا خداعاً للناس وإيذاء لهم!

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية