التربية والتحلي بالصفات النبيلة |جريدة الراي

بتاريخ :الاثنين 28 مارس 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 132 مشاهدات

 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن الأخلاق الفاضلة هي الأساس في بناء كل مجتمع ينشد المحبة والإخاء، ويحرص على التطور والبناء، فبالأخلاق ترتقي المجتمعات، وتعلو الحضارات، وقد كانت مهمة الرسل والأنبياء الكرام، عليهم السلام، عبر العصور غرس الأخلاق وبث القيم، والحث على طلب العلم ترسيخا للأخلاق، وقد اهتم المربون والمفكرون بالمناهج التعليمية، التي بدورها تخرج أجيالا تبني وتعرف للحياة حقها، وتحمل الفكر الناضج المتطور المنفتح، والتربية هي غرس القيم الحسنة، وتهذيب السلوك، ليكتسب صاحبها كل جميل من الأخلاق الراقية كالصدق والأمانة، وتطبيق النظام، والتزام القانون، واحترام الآخرين، وغيرها، فهي تزكية للنفوس، وتطهير للقلوب، وقد عرف عن العرب وغيرهم التحلي بالصفات النبيلة، والأخلاق العظيمة من الكرم، والشجاعة، والمروءة، والعفة.

والشهامة، والنجدة، وعلو الهمة، والوفاء بالعهود، وحفظ الجوار، وغيرها من جميل السجايا، وكريم الخصال، وجاء الإسلام مؤكدا ومعززا لها، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " لأن إكمال ما يحتاج إليه البشر من مكارم الأخلاق، وغرسه في نفوسهم رحمة لهم في الدنيا، ومنزلة عليا لهم في الآخرة، وتقاس عظمة الإنسان بأخلاقه، فما أجمل هذه التربية وهذه الصفات إذا تخلق بها النشء، وانتشرت في المجتمع، وإن من الأخلاق هو أخلاق النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم مع ثمامة بن أثال، ومن ذلك إسلام ثمامة بن أثال وبيان جميل خلقه صلى الله عليه وسلم معه فروى البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم اجمعين قال "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال. 

وهو سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية، أي في عمود من أعمدة المسجد النبوي، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطا في سارية من سواري المسجد فعرفه لأن ثمامة كان سيدا في قومه، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له "ماذا عندك يا ثمامة؟" قال عندي خير يا محمد، إن تقتل تقل ذا دم، يعني إن قتلتني قتلت رجلا له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري "إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر" يعني فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت، وإن كنت تريد مالا فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له "ماذا عندك يا ثمامة؟" 

قال عندي ما قلت لك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال ماذا عندك يا ثمامة؟" قال عندي ما قلت لك يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فقال النبي صلي الله عليه وسلم "أطلقوا ثمامة، أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالا، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان أطلقوا ثمامة" فانطلق ثمامة بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله" يا رسول الله. 

والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإننا نعيش اليوم في مجتمعنا أزمة حقيقية، أزمة لا يعلم عواقبها إلاّ الله تعالى وقد تتصورون أنها أزمة اقتصادية وقد تتصورون أنها أزمة مواطن تدنت لديه المقدرة الشرائية أو قد تتصورون أنها أزمة سياسية أو قد تكون كذلك أو غير ذلك ولكن الأزمة الأعظم في هذا الخضم كله هي أزمة الأخلاق، نعم إنّنا نعيش اليوم أزمة قد مسّت الجميع دون استثناء، تكشفت على إثر الثورة بسبب التسيّب والانفلات في كل المستويات وتبيّن بالمعاينة أن غياب الرقابة والحزم يؤدي بالضرورة إلى الانحلال الأخلاقي والقيمي إلا ما رحم الله.

وإذ لا بد أن نضع أيدينا على الداء خاصة إن كان عضالا، حتى نبذل قصارى جهدنا لاستئصاله والقضاء عليه أو على الأقل الحد من انتشاره لأن بقاء الأمم من زوالها رهين أخلاقها والقرآن الكريم شاهد على الأمم التي أبادها الله تعالي بسبب فسقها وانهيار أخلاقها، ولكن أتدرون لماذا بعث النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ إنه القائل" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " فبعثته تهدف إلى إتمام مكارم الأخلاق قبل كل شيء، وفي الاتمام دليل على أن القيم الأخلاقية متأصلة في الإنسان وفطرية وضاربة في التّاريخ ،كما أنها ضرورية ضرورة الماء والهواء ولكن الطامة الكبرى لو أنها تندثر مع الحضارة والمدنية الزائفة والطامة الأكبر لو يخون الأمين، ويؤمّن الخائن ويسند الأمر إلى غير أهله، المصيبة الكبرى لو يرفع الفساق إلى مراتب النّجومية الكاذبة ويصبحون أصحاب المليارات.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية