مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :شريف عدد المشاهدات : 123 مشاهدات
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن شهر رمضان هو شهر الجود والكرم، وشهر الفضل والإحسان، وشهر الإحساس بالفقراء والمساكين، وشهر الجسد الواحد والأمة الواحدة، وإن الجود والكرم من الصفات الحسنة التي حث عليها الإسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكانت هذه الصفة التي فيه سببا في إسلام كثير من الناس وفي حسن إسلامهم، وكذلك كان صحابته ومن سار على نهجهم لعلمهم بأن الله يعوضهم خيرا مما تركوه، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الشح وجعله من الموبقات، وإذا فرقنا بين الجود والكرم، فإن الجود هو بذل المعروف لمن تعرف ولمن لا تعرف، وأما الكرم فلا يكون إلا في إقراء الضيوف، لذلك كان الجود أعظم من الكرم، وإن كان للكرم دور عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول.
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" فنكرمه نحن على كل حال من الأحوال، لكن من الذي سيعطي المحتاج الذي نعرفه والذي لا نعرفه؟ من سيسد حاجة اليتيم والأرملة والفقير؟ وعلى أكتاف من ستقوم أعمال البر والخير؟ وعلى أكتاف من ستبنى المساجد والمدارس ودور الرعاية؟ وهذه كلها لا تقوم إلا على أكتاف المنفقين الباذلين المتقين، الذين صدقوا تقواهم بحسن ظنهم بربهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا" متفق عليه، وحين أمرنا الله عز وجل بالمسارعة إلى الجنة بين لنا الطريق، فقال سبحانه وتعالي في سورة آل عمران " وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين"
فكان من أول صفات المتقين قال تعالي " الذين ينفقون في السراء والضراء" أي بمعني في كل الأحوال يعطي، فإن كانت الصدقة من الغني جميلة، فإنها من الفقير أجمل، وعن جابر بن عبد الله رضي لله عنهما قال "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا، لولا التشهد لكانت لاؤه نعم، وقد لبس مرة رداء جاءوا به هدية له صلى الله عليه وسلم، فرآه أعرابي فقال يا محمد أعطني هذا، فخلعه في الحال، ولم يكن عنده غيره" وإن في شهر رمضان كان الفتح الأعظم وهو عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واصحابه في السنة الثامنة من الهجرة فكان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ إنه فتح مكة، واللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش فقد خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدا مكة المكرمة.
في العاشر من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة وفتحها صلي الله عليه وسلم في الواحد والعشرون من شهر رمضان، وكان الموقف في فتح مكة مختلف عن بدر، ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن المؤمنين، وكان من الممكن أن يؤخروا الخروج ثلاث أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، وكان من الممكن أن يقول بعضهم نستفيد بالصيام والقيام وقراءة القرآن، ونؤخر الجهاد ثلاث أسابيع فقط، لكن كل هذا لم يحدث، وكانت الانتصارات فى شهر رمضان فهو شهر الجهاد، ليس فيه تعطيل للقتال، ولا توجد به راحة للمؤمن، بل على العكس.
عندما انطلق الرسول بالجيش، واقترب من مكة، وكان صائما وكان الصحابة كلهم صائمين معه، قيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت فماذا فعل ارسول الله صلي الله عليه وسلم ؟ هل أخر الصيام، أم أخر الجهاد؟ لقد دعا بقدح من ماء بعد العصر، وشرب والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم" فكان منهم من قلد، ومنهم من لم يقلد رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي هذه النقطة الأمر على الجواز، فبلغه أن أناسا صاموا، فقال صلي الله عليه وسلم " أولئك العصاة" فيقول أولئك العصاة مع أنه في الأيام الأخرى كان يسمح لمن أراد أن يفطر فليفطر، ومن أراد الصوم فليصم، لكن في هذه المرة الأمر مختلف فهم ذاهبون إلى مكة للجهاد، والجهاد يحتاج إلى قوة وجلد، ولم يؤخر الجهاد صلي الله عليه وسلم بل أفطر لأن الجهاد متعين الآن،
أما الصيام فيمكن قضاؤه بعد ذلك، ولكن الجهاد لا يؤخر فالجهاد ذروة سنام الإسلام، لذلك أفطر رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا اليوم، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم كان مسافرا سفرا طويلا جدا في الصحراء في شهر رمضان، فكان الصيام صعبا، ووضعت كذلك في فتح مكة مئات القواعد لبناء الأمة الإسلامية ففتح مكة كان في رمضان، وكل رمضان نتذكر فتح مكة، نتذكر صدفة أن أول صدام حقيقي مع مشركي قريش كان في رمضان في غزوة بدر، وآخر صدام مع المشركين كان ايضا في رمضان في فتح مكة، هل يُعقل أن تكون صدفة؟ فهذا الشهر تتغير فيه أحوال الأمة بشكل رائع علامات في منتهى الوضوح، في هذا الشهر الكريم رسول الله صلي الله عليه وسلم قام بهدم صنم هبل، ومعه أكثر من ثلاثمائة وستون صنما بداخل الكعبة المشرفة.
وهذه الأصنام ظلت داخل الكعبة إحدي وعشرون سنة، بداية من نزول البعثة على النبي صلي الله عليه وسلم وقد ظلت هذه الأصنام سنين طويلة قبل البعثة فكانت موجودة، في كل هذه الشهور السابقة والسنوات السابقة ولكن أراد الله سبحانه وتعالى أن هذه الأصنام تدمر وتكسر وتقع في شهر رمضان، وكان في شهر رمضان نفسه بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليهدم صنم العزى، فهدمها، وفي الشهر نفسه بعث عمرو بن العاص ليهدم صنم سواع، فهدمه، وفي الشهر نفسه بعث سعد بن زيد ليهدم صنم مناف، فهدمه، فإن شهر رمضان هو شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، فإن رمضان شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة، فلا يصح ألا يعلم المسلمون هذه المعاني، ويظنون أنه شهر الأعمال الفنية الجديدة، والدورات الرياضية، والخيم الرمضانية، ليس هذا هو رمضان الذي يريده ربنا سبحانه وتعالي.