مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :شريف عدد المشاهدات : 118 مشاهدات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من خصائص العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها، والاعتكاف مشروع لأمته صلى الله عليه وسلم من بعده, وكما يسمّى جوارا، وذلك لقول السيدة عائشة رضى الله عنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض" فهو إذن لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله عز وجل في سورة البقرة " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" واعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكف أصحابه معه وبعده، وإن الغاية من الاعتكاف هو تحقيق صفاء القلب بمراقبة الله عز وجل والإقبال عليه لعبادته في أوقات الفراغ، وهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى المولى الكريم إذا كان عن إخلاص مع الصوم.
ولهذا كان من سُنة النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف تلك العشر، وهذا فيه الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة الفاضلة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فينقطع في المسجد تلك المدة عن كل الخلائق، مشتغلا بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له سوى الله وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه، فالمقصود بالاعتكاف إذن انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلبا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، والاعتكاف في اللغة هو الإقامة على الشئ ولزومه وحبس النفس عليه، وشرعا عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لفظا، متقاربة المعنى.
فعند الحنفية هو اللبث فى المسجد الذي تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف، وعند المالكية هو لزوم مسلم مميز مسجدا بصوم ليلة ويوم لعبادة بنية، وعند الشافعية هو اللبث فى المسجد من شخص مخصوص بنية، وعند الحنابلة هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل مميزا طاهرا مما أوجب غسلا، والاعتكاف في المساجد سنة نبوية, لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منذ قدم المدينة كما ثبت عنه ذلك في الأحاديث الصحيحة, وليس بواجب إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به، وقال الإمام أحمد بن حنبل "لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أن الاعتكاف مسنون" والاعتكاف معروف في الشرائع السابقة, حيث قال تعالى في سورة البقرة " وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" وهو مستحب في جميع أوقات السنة غير أنه يكون في رمضان أفضل من غيره.
وأفضل أماكنه المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى ثم المسجد الجامع، وقال ابن القيم رحمه الله مبينا المقصود من الاعتكاف وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى وجمعيّته عليه والخلوة به عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه, والإقبال عليه في محل هموم القلب، وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه، وما يقرّب منه فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق فيعدّه بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامه بن زيد"
والحقيقة أن الاعتكاف سُنة مأثورة وشعيرة مبرورة، وقد أوشكت أن تكون بين الناس مهجورة، فينبغي لمن تيسّر له أمره إحياؤها والترغيب فيها، فإن "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" كما أخبرنا بذلك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وكما قال صلي الله عليه وسلم " من دل علي خير فله مثل أجر فاعله" ويشترط في المعتكف حتى يصح اعتكافه شروط, وهو أن يكون مسلما فلا يصح من كافر أو مرتدا، وأن يكون عاقلا مميزا فلا يصح من مجنون ولا طفل لعدم النية، وأن يكون طاهرا مما وجب غسلا, فلا يصح من جنب ونحوه ولو متوضئا, ولا تمنع المستحاضة منه، ولا يصح الاعتكاف إلا بنية لأنه عبادة محضة كالصوم, ولحديث النبي صلي الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات"