مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :Heba عدد المشاهدات : 136 مشاهدات
سلطان العاشقين ابن الفارض
بقلم / محمـــد الدكـــروري
سلطان العاشقين ابن الفارض هو أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، ويعد واحدا من أشهر شعراء التصوف، لذلك كرس معظم شعره في العشق الإلهي، فكانت أشعاره غالبها في العشق الإلهي حتى أنه لقب بسلطان العاشقين، والده من حماة في سوريا، وهاجر لاحقا إلى مصر، ومما تجدر الإشارة له أنه يُكنى بابن الفارض، لأن أباه كان يعمل فارضا، والفارض هو من يثب الفروض للنساء على الرجال، وينتمي في أصله إلى أسرة حموية، لذلك كان لأصله هذا أهمية كبيرة في طبعه، فأهل الشام معروف عنهم رقة الطبع في الأدب القديم، والشغف بصور الجمال، بالإضافة إلى نزعتهم الغزلية اللينة ويندر مثلها في مصر والعراق، وهذا كله كان استيحاء للشعر الذي نتج من شعراء الشام، حيث كان يتميز بالمعاني الحسية والوجدانية، والحق يقال بأن شخصية ابن الفارض انفردت بين شعراء مصر فاشترك في تكوينها بقاع ثلاث.
أولها الشام في أصله، وثانيها الحجاز وحنينه إليه وثالثها مصر التي فيها مقامه، فهو شاعر الشام والحجاز ومصر، ولقد كانت ولادة عمر بن الفارض في الرابع من شهر ذي القعدة سنة خمسمائة وست وسبعين من الهجرة، الموافق عام ألف ومائة وواحد وثمانين من الميلاد، في القاهرة التي توفي بها أيضا في اليوم الثاني من جمادى الأولى من سنة ستمائة واثنين وثلاثين من الهجرة، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم سلك طريق الصوفية ومال إلى الزهد، ورحل إلى مكة في غير أشهر الحج، واعتزل في وادي بعيد عنها، وفي عزلته تلك نظم معظم أشعاره في الحب الإلهي، حتى عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عاما، ولقد كان ابن الفارض شاعرا رقيقا في نفسه ودقيقا في حسه، مرهف الشعور، يحب بكامل العواطف الموجودة في قلبه، ولعل هذه العاطفة الكبيرة سيطرت على جميع حياته مما جعلها تبرز في جميع أشعاره الفلسفية.
المتصلة بما يسمى بوحدة الوجود، فقال عنه جبران خليل جبران"لم يتناول من مجريات يومه كما فعل المتنبي، ولم تشغله معميات الحياة وأسرارها كما شغلت المعري، بل كان يغمض عينيه عن الدنيا ليرى ما وراء الدنيا، ويغلق أذنه عن ضجة الأرض ليسمع أغاني اللانهاية" وقضى ابن الفارض نحو خمسة عشر سنة من عمره في عزلة عن الناس بعد أن سافر لمكة لتأدية فريضة الحج، ثم قرر الاعتزال في وادي بعيد عن الناس، وكانت تلك العزلة هي المنبع الذي فاضت منه معظم أشعاره، حيث أتاحت له تأمل أحوال نفسه والغوص في الخيال البعيد وأسرار الملكوت وبعد أن أنهى عزلته، عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عاما، فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، فقصده الناس بالزيارة، ومعهم بعض كبار الدولة مما أجله في أعين العامة والخاصة، ويقول ابن حجر كان له صورة كبيرة عند الناس ولما رأى إقبال الناس عليه واستعدادهم لتقبل أحواله وأقواله بلا ميزان.
تخلى عما كان فيه من زهد وتقشف، فصار يلبس الملابس الجميلة ويعتني بهيئته، ويحب مشاهدة البحر في الأصيل، بل وكان له جوار بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة فيراقصهن ويتواجد، وقال الامام الذهبي واصفا عقيدته أنه ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية وما ثم إلا زي الصوفية، وإشارات مجملة، وتحت الزى والعبادة فلسفة، وأفاعي، وعلق على قصيدته التائية في كتابه سير أعلام النبلاء قائلا فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده فما في العالم زندقة ولا ضلال، وقال الحافظ ابن حجر، أنه سأل الشيخ الإمام سراج الدين البلقيني عنه فأجابه لا أحب أن أتكلم فيه، وعندما أنشد عليه من التائية قطع عليه بعد إنشاد عدة أبيات بقوله هذا كفر، هذا كفر، أما ابن تيمية فيصف المذهب الذي هو عليه وحقيقة مقالاته الشركية الضلالية.
وأن ابن الفارض من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود فقال منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود، وأن الوجود الواجب القديم الخالق، هو الوجود الممكن المحدث المخلوق، ما ثم لا غير ولا سوى، وهؤلاء الأصناف قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع، فإن هؤلاء يكثرون في الدول الجاهلية، وعامتهم تميل إلى التشيع، كما عليه ابن عربي، وابن سبعين وأمثالهما، فاحتاج الناس إلى كشف حقائق هؤلاء، وبيان أمورهم على الوجه الذي يعرف به الحق من الباطل فإن هؤلاء يدعون في أنفسهم أنهم أفضل أهل الأرض، وأن الناس لا يفهمون حقيقة إشاراتهم، فلما يسر الله أني بينت لهم حقائقهم، وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن هذا هو تحقيق قولهم، وتبين لهم بطلانه بالعقل الصريح والنقل الصحيح والكشف المطابق رجع عن ذلك من علمائهم وفضلائهم من رجع وأخذ هؤلاء يثبتون للناس تناقضهم، ويردونهم إلى الحق.