مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :Heba عدد المشاهدات : 184 مشاهدات
الرسالة الأولي عن المسرح والبدايات
بقلم : يوحنا عزمي
لا شيء في هذا العالم ينبثق من فراغ ، وإنما من حقائق ووقائع وأحداث ، اقول ذلك حتي لا نحكم في قضايا بأهمية ما جري في الخامس من يونيو عام ١٩٦٧، باحكام ظالمة ومتسرعة تاخذ الامور بظاهرها ولا تحاول ان تذهب إلي العمق لتري ما كان يجري بداخله من خطط وترتيبات ومؤامرات في لعبة امم اكبر منا بكثير ، والتي غابت حقيقتها عن علم الكثيرين او اختلطت اوراقها ببعضها إلي الحد الذي تاهت الحقيقة معه ، وهو ما نحاول ان ندخل إليه الآن لنقدم شهادتنا عنه والتي نتحملها امام الله أولاً ثم امام ضمائرنا وشعوبنا واوطاننا من بعده.
وإذا كان لكل حدث كبير نقطة بداية، فأن جذور الأزمة التي مهدت لحرب يونيو ١٩٦٧ بدات من سوريا ، وهي الأزمة التي كان للاتحاد السوفيتي الدور الاكبر في تحريكها وتصعيدها والوصول بها في النهاية إلي نقطة الانفجار.
اما عن المسرح السوري وكيف انطلقت الأزمة منه ، فبامكاننا
القول إنه من بين كل الأنظمة العربية الراديكالية ، فإن النظام البعثي السوري الذي وصل إلي السلطة بانقلاب عسكري في فبراير ١٩٦٦ كان اكثرها استئثارا باهتمام السوفيت.
فهذا النظام الذي تزعمته قيادة ثلاثية من نور الدين الاتاسي
رئيس الدولة ويوسف زعين رئيس الوزراء وابراهيم ماخوس وزير الخارجية كانت له توجهاته اليسارية المتطرفة ، ولذا فقد اتجه فور تسلمه السلطة إلي تعزيز علاقاته بالاتحاد السوفيتي وبصورة لم تجرؤ عليها الحكومة البعثية السابقة التي اطاح بها الانقلاب.
ومنذ البداية عمد النظام السوري الجديد إلي مضاعفة مساعداته العسكرية والاقتصادية لمنظمة فتح الفلسطينية الجديدة لحفزها علي تصعيد عملياتها العسكرية ضد إسرائيل.. وهذه السياسة التي طبقها هذا الجناح البعثي المتطرف من اجنحة حزب البعث السوري والداعمة لمبدا العمل الفدائي المكثف ضد إسرائيل زادت بطبيعة الحال من احتمال قيام إسرائيل بالرد عليها باجراءات انتقامية عسكرية عنيفة.
وتحسبا لهذا الإحتمال الأخير ، قام رئيس الحكومة السوفيتية اليكس كوسيجين بزيارة إلي مصر في مايو عام ١٩٦٦ ، لحثها
مع غيرها من الدول العربية التقدمية علي الوقوف إلي جانب
سوريا ودعمها في نضالها ضد الإمبريالية وربيبتها إسرائيل ..
وقرن كوسيجين هذا الطلب بدعوته التي اطلقها من القاهرة
لإنشاء جبهة موحدة من الدول العربية التقدمية وفي طليعتها
مصر والجزائر والعراق وسوريا للتصدي علي حد قوله لمن وصفهم بالامبرياليين والرجعيين في المنطقة.
وتعزيزا لتلك الجهود والتحركات الدبلوماسية السوفيتية الهادفة
إلي إقامة جبهة عربية موحدة بالصورة التي ارادوها ، جاءت زيارة رئيس الحكومة العراقية الدكتور عبد الرحمن البزاز لموسكو في يوليو ١٩٦٦ ، وهي الزيارة التي نجحت في وضع نهاية لخلافات الاتحاد السوفيتي مع النظام الحاكم في العراق حول مشكلة اضطهاده للحزب الشيوعي العراقي وللعراقيين الاكراد.
وفي مقابل ذلك ، طلبت الحكومة السوفيتية من العراق الإنضمام إلي الجبهة المعادية للإمبريالية في المنطقة العربية ، وذلك تنفيذا للخطة التي كانت احد الاعمدة الرئيسية في الإستراتيجية السوفيتية الجديدة في المنطقة العربية والتي تبنتها وراهنت عليها مجموعة الترويكا اي القيادة الثلاثية السوفيتية باقطابها الثلاثة الكبار بريجينيف وكوسيجين وبودجورني منذ تسلمها مقاليد الحكم في الكرملين قبل عامين من هذا التاريخ.
وقد نجحت الدبلوماسية السوفيتية في تحقيق هدفها الإستراتيجي الذي ظلت تراهن عليه قرب نهاية عام ١٩٦٦ عندما بدات تتبلور معالم هذه الجبهة العربية الموحدة مع التوقيع علي ميثاق الدفاع العسكري المشترك بين مصر وسوريا في نوفمبر ١٩٦٦ ، والذي علق عليه السوفيت املهم في ردع اي هجوم عسكري واسع قد تفكر إسرائيل في الاقدام عليه ضد سوريا.
ان مجريات الاحداث اخذت تتطور في اتجاه معاكس لتلك التوقعات السوفيتية مع انتهاز الطرف السوري فرصة توقيعه علي ميثاق الدفاع العسكري المشترك مع مصر ليضاعف وبشكل كبير من دعمه العسكري للعمليات الفدائية الفلسطينية داخل اسرائيل ، وهو ما زاد الوضع اشتعالاً علي الحدود السورية الإسرائيلية ، وضاعف من احتمال نشوب حرب واسعة النطاق بين الطرفين وليس التقليل منها كما كان السوفيت يأملونه ليوفروا علي انفسهم خطر التورط العسكري المباشر إلي جانب حلفائهم السوريين الجدد في اي حرب قد تندلع بين سوريا وإسرائيل .. وهو ما كانوا يخططون لان تتحمل مصر المسئولية عنه بدلاً منهم .. وهو ما كان واضحا كل الوضوح فيما بعد .. ولولا ذلك لما كان ميثاق الدفاع العسكري المشترك بين مصر وسوريا مهما بالنسبة لهم إلي هذا الحد.
وباختصار ، كانت هذه هي البداية التي مهدت المسرح لحدوث الأزمة العنيفة التي قادت المنطقة العربية إلي حرب الخامس من يونيو عام ١٩٦٧ وعلي النحو الذي سنتناوله في رسائلنا القادمة.