الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 3"

بتاريخ :السبت 11 يونيو 2022

الناشر :Heba   عدد المشاهدات : 128 مشاهدات

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 3"
بقلم / محمـــد الدكـــروري

وقد شملت جميع الأقليات الدينية، حتى الإسلامية منها في بعض الأحيان، ويذكر أنه عندما دخل هولاكو بغداد أمر بعدم التعرض للمسيحيين، لكون زوجته مسيحية، ومن أتباع كنيسة المشرق الآشورية، وأمر ببناء كاتدرائية في بغداد، ويعتبر الشعر في العصر العباسي ثالث حلقات الشعر العربي القديم وأكملها، فالحلقة الأولى كانت الشعر الجاهلي، والثانية كانت صدر الإسلام والعهد الأموي، لتكون الحلقة الثالثة العصر العباسي حيث بلغ الشعر مبلغا عاليا بدعم من الخلفاء والأمراء، وبتحسن أحوال المعيشة، وقد تخرج في هذا العصر أبلغ شعراء العربية وأفصحهم، ومنهم من لاتزال أشعاره تتداول حتى اليوم ولم يكن تطور الشعر في العصر العباسي تطورا في مادته فحسب فإنه تطور في علومه أيضا، إذ قد جمع الخليل بن أحمد الفراهيدي أوزان الشعر في خمسة عشر بحرا، ثم أضاف إليها الأخفش بحرا واحدا، فظهر بذلك علم العروض بجهود العباسيين وإن أبرز ما يميز الشعر العباسي. 

هو تنوع المواضيع التي طرحها، والتي شملت جميع أطياف المجتمع ومواضيعه، بل إن هذه المواضيع يمكن أن تشكل مرجعا في دراسة الأحوال الاجتماعية والسياسية خلال مراحل الدولة العباسية المختلفة، فمن مدح الخلفاء خلال عهود القوة، والذين قاموا بتقديم الدعم المالي للشعراء، إلى التذمر من ضنك العيش وفقر الحال، واستشراء الفساد خلال عهود الضعف، كان الشعر دوما أبرز الميادين التي تعكس حياة المجتمع، نظرا لكونه العماد الرئيس للثقافة في العصر العباسي، وكان أحد أبرز التيارات الشعرية هو تيار الغزل الماجن، ومن شعراء هذا التيار أبو نواس في قصائده المعروفة بالخمريات، وبشار بن برد الذي ولد أواخر العهد الأموي في مدينة البصرة جنوب العراق، ونقل أنه كان مخالطا للعلماء والشعراء، واشتهر بالتردد على الحانات ما ظهر في أدبه شعرا ماجنا، حتى قتل بتهمة الزندقة، وفي مقابل الشعر الماجن، برز الشعر الديني بشكل قوي في العصر العباسي.

وقد انقسم الشعر الديني في ذاته إلى تيارات مختلفة منها ما امتدح النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وأركان الإسلام ورموزه، وقد استمر هذا التيار سائدا حتى عهد الخلافة العباسية في القاهرة، ومن قصائده المرموقة قصيدة البردة للشاعر البوصيري، والتي نظمها في أعقاب خلع النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم لبردته في الحلم على رجلي الشاعر، فعادت إليهما الحياة بعد الشلل فالقصيدة حسب معتقدات الشاعر، أشبه بشكر للنبي صلي الله عليه وسلم ومدحه، وأما النوع الثاني من الشعر الديني، فهو التيار الذي غلب عليه الزهد والتأمل الفلسفي في الحياة والله، ولعل أبا العتاهية المولود في الأنبار عام سبعمائة وخمسين ميلادي، هو أبرز شعراء هذا التيار، بل إن البعض من الباحثين يعتبره مؤسسا لتيار الزهد الشعري، كما يعتبرونه قد ارتقى بشعر الزهد ليبلغ الفلسفة والحكمة وعندما توفي عام ثماني مائة وخمس وعشرين ميلادي، وكان قد ترك دواوين عدة في شعر الزهد. 

رغم أنه لم يلتزم في جميع قصائده بقواعد الشعر كالعروض، وقد بلغ شعر الزهد لدى بعض الشعراء، كأبي العتاهية نفسه، مبلغا أنكر من خلاله جدوى الدين، واكتفى بالتسليم لله، وأما النوع الثالث من الشعر الديني، فهو التيار الصوفي، وقد تعدد رواده ليس فقط في الدولة العباسية، وإنما في الأندلس أيضا، ومن الشعراء الصوفيين ابن الفارض المولود في مصر عام ألف ومائة وثمانين ميلادي، وابن سينا الطبيب والفيلسوف والشاعر المولود في بلاد فارس عام تسعمائة وثمانين ميلادي، وأبو حامد الغزالي المولود عام ألف وخمس وتسعين ميلادي، والذي عاصر الاقتتال الطائفي بين المعتزلة والأشاعرة، ومن الشعراء من أسس نمطا خاصا من الشعر الصوفي يدعى الشطح، كان من رواده أبو يزيد البسطامي، وبعيدا عن الشعر الديني استمر الشعراء العباسيون في الافتخار بأنفسهم والاعتداد بما صنعوا، أو الافتخار بقبائلهم، وقام صفي الدين الحلي بالسير على عادة العرب القدماء. 

في الافتخار بقبائلهم وقوتهم في ساحات الوغى، وإلى جانب قصائد المدح كان للهجاء نصيب في الشعر العباسي، وأغلب الشعراء قد كتبوا في هذا النمط الشعري، ومنهم دعبل الخزاعي من مواليد البصرة عام سبعمائة وتسع وستين ميلادي، في هجائه والي الرحبة مالك بن طوق، وإلى جانب المدح والهجاء كان للرثاء دور في الشعر العباسي، وأبرز من نظم قصائد الهجاء الشريف الرضي وأبو تمام، ولم يغب الشعر الوصفي الذي درج عليه العرب القدماء عن ساحة الشعر العباسي، بل إن أغلب الشعراء استهلوا قصائدهم بوصف الطبيعة أو غيرها من المواضيع قبل الولوج في صلب الموضوع الخاص بقصيدتهم، ولعل صفي الدين الحلي وأبا تمام من أبرز شعراء الوصف في ذلك العصر ومن التيارات الشعرية الأخرى التي انتشرت كان شعر الغزل، الذي احتل النصيب البارز إذ تتعدد القصائد التي تصف الحبيب وتتغزل بشيمه وأوصافه، والتيار الاجتماعي، وأبرز شعرائه ابن فارس وأبو العلاء المعري.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية