مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :شريف عدد المشاهدات : 111 مشاهدات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ولقد انتشر في العصر العباسي بنوع خاص من الفن التجريدي ورغم أن نشأته كتيار فني تعود للعصور الحديثة، عمل العباسيون وخلال زخرفاتهم على عزل عنصر الزخرفة كالورقة أو الزهرة عن محيطها أي عمد الفنان العباسي إلى تجريدها عن محيطها الطبيعي، الذي يعطي إحساسا بالذبول والفناء، مانحا إياها شعورا بالدوام والبقاء، وإلى جانب الزخرفة النباتية درجت زخرفة الأحرف العربية، وازدهرت حتى أصبحت علما قائما ممثلا بعلوم الخط العربي، رغم أن نشأته تعود لما قبل الإسلام، ومن أشهر أنواع الخطوط الخط الكوفي وخط الرقعة، وكذلك، وعلى الرغم من عدم استساغة علماء الدين المسلمين لتصوير الإنسان والحيوان، اعتنى الخلفاء العباسيون بالأمر كما تدل جدران القصور المكتشفة في شرق الأردن وسامراء، ويصنف النقاد الزخرفة العباسية بكونها زخرفة كارهة للفراغ، إذ يقوم الفنانون برسم الزخارف من الحجم الكبير والمتوسط والصغير، على أن تملأ جميع الفراغات بزخارف.
ولو كانت متناهية في الصغر، كما اشتهر العباسيون باستخدام الفسيفساء القادمة من الحضارة البيزنطية، وقال ابن خلدون ما زال فن الغناء يتدرج عند العرب حتى كمُل أيام بني العباس، ويقول عدد من النقاد إن الموسيقى العربية في العصر العباسي بلغت ذروة مجدها من ناحيتي الأداء الغنائي وانتشار العلوم والبحوث والدراسات الموسيقية، واستمرت بغداد حتى منتصف القرن التاسع الميلادي مركزا حيويا تنبعث منه إشعاعات النهضة الموسيقية العربية، وقد اقترن تطور الموسيقى بحالة الرخاء الاقتصادي في الدولة خلال عهود قوتها من ناحية، ومن ناحية أخرى اقترن تطور الموسيقى بدعم الخلفاء غير المنقطع لها منذ مؤسس الدولة أبي العباس السفاح الذي أحب غناء سلمك الفارسي، مرورا بالخليفة المأمون الذي كان يروقه، بنوع خاص، الغناء الإغريقي اليوناني، وهو من أمر بترجمة الأصول النظرية للموسيقى إلى العربية فشكل بذلك أساس العلوم الموسيقية النظرية.
وموسى الهادي الذي كان ابنه عبد الله مغنيا ويجيد العزف على العود، وهارون الرشيد الذي أنفق ثروة في منح الجوائز للمغنين والملحنين، وكان الخليفة الواثق بالله حسب شهادة المؤرخ حماد بن إسحق الموصلي بأنه أعلم الخلفاء بهذا الفن، وأنه كان مغنيا بارعا وعازفا ماهرا على العود وقد لقي الفن من التشجيع والكرم في بلاطه ما يجعل المرء يظن أنه تحول إلى معهد للموسيقى، بدلا من كونه مجلسا لأمير المؤمنين، وقد تمازجت الموسيقى العربية واختلطت بأنواع الموسيقى السريانية والفارسية، وشكلت معها مزيجا متماسكا حتى القرن العاشر، حين أدخلت وفود قبائل السلاجقة والأكراد الآلات النفخية، وأخذت تحل مكان الآلات الموسيقية الوترية، التي كانت العماد الرئيسي للموسيقى العربية، ما دفع عددا من المؤرخين لإبداء استيائهم من هذا التغير وقد دوّن لنا المؤرخون عددا من أبرز الفنانين والملحنين الذين تألقوا خلال العصر العباسي في مجالس خلفاء العصر العباسي الأول.
وهم حكم الوادي، وإبراهيم الموصلي، وابن جامع، ويحيى المكي، ومنصور زلزل، ويزيد حوراء، وفليح بن أبي العوراء، وعبد الله بن دحمان، والزبير بن دحمان، وإسحاق الموصلي، وبرهوم، ومحمد الرف، وزرياب وقمر البغدادية، إلى جانب آخرين والفن العباسي سابق للفن الأندلسي الممثل في الموشحات الأندلسية وسواها، بل إن المؤرخين والنقاد يجعلون من الفن الأندلسي متأثرا بالفن العباسي، وكذلك الفن الموسيقي المغربي، ونتيجة هذا الاهتمام بالموسيقى ومجالس الطرب نشأت العلوم الموسيقية وتم تصنيف كتب كثيرة منها كتاب رسالة في خبر تأليف الألحان للكندي، الذي استعمل فيه الحروف والعلامات في تدوين الألحان، منشئا بذلك النوطات، وكتاب الموسيقى الكبير للعالم والفيلسوف الفارابي، وكتاب الأغاني للأديب أبي الفرج الأصفهاني، وقد أهداه لسيف الدولة الحمداني، وكتاب الأدوار لصفي الدين الحلي، والذي يقول الناقد كروسلي هولاند.
إنه كان الأساس لجميع ما تبعه من مؤلفات تتناول الجوانب العلمية في الموسيقى أو التحلين، وكذلك تطرق ابن سينا الطبيب المعروف في كتابه الشفاء لدور الموسيقى في العلاج، وأنواع الموسيقى الملائمة لها على أنه قد اقترنت مجالس الطرب عادة بخلاعة جنسية يقوم بها إماء الخليفة أو السلطان، وكذلك بشرب الخمور، وكلا الأمرين مما لا تبيحهما الشريعة الإسلامية، ما دفع عددا من الفقهاء وعلماء الدين إلى تحريم الموسيقى والغناء، وذهب الباحث رضا العطار بأن أغلب الفقهاء العباسييين حرّموا الموسيقى والغناء، وكان أشدهم بذلك أنس بن مالك حتى اعتبر أن الإنسان لو ترنم لنفسه في خلوته فذلك خطيئة ويشير العطار أن أبا حامد الغزالي كان الوحيد ممن أشار صراحة إلى عدم تحريم الشريعة الإسلامية للغناء، ولم يكن لدى العرب في شبه الجزيرة العربية علوم متنوعة، ولم يركز الأمويون اهتماماتهم على مجالات متنوعة في العلوم.