الدكروري يكتب عن لا خير في الصدق إلا مع الوفاء

بتاريخ :الأحد 14 اغسطس 2022

الناشر :Sohaela   عدد المشاهدات : 87 مشاهدات

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ها هو أبو بصير يأتي إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية، فترسل قريش في عقبه رجلين يأخذانه، فقالا يا محمد، ردّه إلينا بالعهد الذي بيننا وبينك، فردّه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وفاء بعهده، غير أن أبا بصير مكنه الله من أحد الرجلين فقتله، وفرّ الآخر عائدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فلما رآه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال إن هذا رأى ذعرا، فإذا بأبي بصير يأتي ثانية قائلا يا نبي الله، قد أوفى الله ذمّتك ونجاني الله منهم، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "ويل أمه مسعر حرب" وهنا علم أبو بصير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة راده إلى قريش. 

 

وفاء بالعهد الذي بينه وبينهم، فهرب أبو بصير إلى منطقة تسمى سيف البحر وهي عند البحر الأحمر، ومكث بها ولحق به أبو جندل بن سهيل وكل من أسلم من قريش فجعلوا يُرهبون قريشا، ويأخذون قوافلها، حتى استغاثت برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهؤلاء النفر باللحاق به في المدينة وبذلك يكون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل الأعلى في الوفاء بعهده، وقد قال أبو حاتم الرازي رحمه الله، لا خير في الصدق إلا مع الوفاء، كما لا خير في الفقه إلا مع الورع، وقال أبو طالب المكي الاستقامة على التوبة، من الوفاء بالعهد، وتعدي الحدود من نقض الميثاق وقلة الصدق، وقال الفضل بن سهل لرجل سأله حاجة أعدك اليوم. 

 

وأحبوك غدا بالإنجاز لتذوق حلاوة الأمل، وأتزين بثبوت الوفاء، وكان النعمان بن المنذر قد جعل له يومين يوم بؤس، مَن صادفه فيه قتله، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه، وكان رجل من قبيلة طيئ قد خرج ليأتي بطعام لأولاده الصغار، فبينما هو كذلك إذ صادَفه النعمان في يوم بؤسه، فلما رآه الطائي علم أنه مقتول، فقال حيّا الله الملك، إن لي صبية صغارا وأهلا جياعا، وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء لهم، وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس، وقد قربت مِن مقر الصبية والأهل، وهم على شفا تلف من الجوع، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت.

 

وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعا، ثم أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره، فلما سمع النعمان صورة مقاله، وفهم حقيقة حاله، ورأى تلهفه على ضياع أطفاله، رق له، ورثى لحاله، غير أنه قال له لا آذن لك حتى يضمنك رجل معنا، فإن لم ترجع قتلناه، وكان شريك بن عدي بن شرحبيل نديم أي صديق النعمان معه، فالتفت الطائي إلى شريك، وقال له، فقال شريك بن عدي أصلح الله الملك، عليّ ضمانه، فمر الطائي مسرعا، وصار النعمان يقول لشريك إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع، وشريك يقول ليس للملك عليّ سبيل حتى يأتي المساء، فلما قرب المساء، قال النعمان لشريك قد جاء وقتك، قم فتأهب للقتل. 

 

فقال شريك هذا شخص قد ظهر مقبلا، وأرجو أن يكون الطائي، فإن لم يكن، فأمر الملك ممتثَل، قال فبينما هم كذلك وإذا بالطائي قد اشتد عدوه في سيره مسرعا حتى وصل، فقال خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، ثم وقف قائما وقال أيها الملك، مُر بأمرك، فأطرق النعمان ثم رفع رأسه، وقال والله، ما رأيت أعجب منكما، أما أنت يا طائي، فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يقوم فيه، ولا ذكرا يفتخر به، وأما أنت يا شريك، فما تركت لكريم سماحة يُذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألام الثلاثة، ألا وإني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس، ونقضت عادتي كرامةً لوفاء الطائي، وكرم شريك، فقال له النعمان ما حملك على الوفاءِ وفيه إتلاف نفسك؟ فقال ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النعمان، وأجزل له العطاء بما أغناه، وأعاده مكرما إلى أهله، وأناله ما تمناه.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية