مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :محمود عدد المشاهدات : 223 مشاهدات
بقلم : يوحنا عزمي
هذه التحولات السياسية قد لا تكون معالمها النهائية قد تكشفت
بعد بالدرجة الكافية من الوضوح حتي وان كانت مؤشراتها ومقدماتها تشي بطبيعة المسارات التي يمكن ان يتحرك الشرق الأوسط فيها بتاثير هذه المتغيرات الإقليمية الجديدة.
ومع دعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عقب عودته من زيارته إلي بكين ، دول الإتحاد الأوروبي لأن تنإي عن ربط أمنها ومصالحها الإقتصادية ومواقفها من الأزمات الدولية ، وخصوصا أزمة تايوان ، بعجلة السياسة الأمريكية ، واعتبارها أزمة تخص الولايات المتحدة والصين وحدهما ولا شأن للدول الأوروبية بها وكذلك دعوته أوروبا لأن تكون القطب الثالث في النظام الدولي
الي جانب القطبين الكبيرين الآخرين : امريكا والصين ، ودعوته
إلي التحرر من هيمنة الدولار ، وهي الدعوات التي يبدو الرئيس ماكرون فيها وكأنه يشق عصا الطاعة علي الحليف الأمريكي ويحرض شركاءه الأوروبيين ضده بحثه لهم علي التحرك في مسارات دولية اكثر استقلالية عن السياسات الأمريكية او اقل انحيازا لها.
وهي الدعوات التي يمكن ان يؤدي تناميها مع الوقت إلي إحداث شرخ عميق وخطير في جدار هذا التحالف الأمريكي الأوروبي.
ومع تعاظم دور الصين في العلاقات الدولية بدبلوماسيتها النشطة الجديدة والتي تتمتع بدرجة عالية من المصداقية والاحترام الدولي لنهجها المتزن والمتميز في تعاملها مع مواقف الصراع والأزمات ولنبرتها الهادئة التي تجعلها تبدو في نظر العالم كداعية تهدئة وسلام اكثر منهم كقوة متمردة علي الأمر الواقع او ساعية إلي تغييره ، كما تقدم الصين بادواتها الدبلوماسية الجديدة بديلاً
مقبولاً لدول كثيرة في مختلف قارات العالم يمكنها التعويل
علي دعمه لها في قضاياها دون ان تدفع مقابله ثمنا مكلفا كالذي تدفعه للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين ، واعني بهم دول الخليج العربي بشكل خاص.
ومع تنامي ابعاد الشراكة الإستراتيجية الروسية الصينية حتي
وان لم تتحول بعد إلي تحالف عسكري رسمي ، فان لهذا التطور الدولي المهم مغزاه ودلالاته في سياق هذه التحولات العالمية الشاملة.
ومع الاقتناع المتزايد لدي عدد كبير من الدول بأن الولايات المتحدة تتاجر بشعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان بشكل انتهازي صارخ ، وانها لا تقرن هذا التشدق بالمبادئ بما تنتهجه
فعلا من مواقف وسياسات وقرارات ، وانما تستخدمها مبرراً
لفرض العقوبات والتشهير بمن لا ترضي عنه من الدول والحكومات وهو ما ينال من مصداقيتها ويسيئ إلي سمعتها.
كذلك ومع التوجه الدولي الجديد نحو رفض هيمنة الدولار
كمعيار وحيد للمعاملات الدولية ، والتحول عنه إلي سلة من العملات الأخري البديلة التي سوف يكون لها مردودها الإيجابي المهم مع الوقت ويزيح الدولار من تربعه علي عرش العملات العالمية وينسف اسطورته ويفقد الولايات المتحدة احد أهم أسلحتها المالية والاقتصادية التي تهيمن بها علي العالم.
مع كل هذه التغيرات الدولية الكثيرة المتلاحقة التي تهز العالم
شرقا وغربا ، شمالاً وجنوبا ، فإن الخيوط بدأت تفلت الواحد تلو الآخر من يد الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يجب ان ننخدع
بما قد يبدو لنا التفاف دول الناتو حولها في وحدة مواقف لم
يسبق لها مثيل بسبب أزمة الحرب الأوكرانية ..
فأمريكا تخسر الآن علي جبهات كثيرة ، كما ان العديد من شركائها الاستراتيجيين القدامي بداوا ينصرفون عنها ويديرون ظهورهم لها وسوف تجد نفسها مع الوقت في موقع تزداد فيه عزلتها وتتراجع فيه سمعتها ومكانتها ، ولن تعود القطب الاوحد المهيمن علي العالم علي نحو ما رتبت حساباتها عليه بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة القديمة واعلانها عن قيام النظام العالمي الجديد الذي تحول بفعل ممارساتها إلي نظام أمريكي قبل ان يكون نظاما لكل الدول حق فيه .. وها هي الدائرة تدور عليها الآن.