الأستاذ الدكتور مصطفى صقر... منارة الفكر، وصوت الزمن النبيل - جريدة الراي

بتاريخ :الاثنين 05 مايو 2025

الناشر :طارق الفرماوى   عدد المشاهدات : 78 مشاهدات

متابعة عمر ماهر في زمن بيتخبّط فيه الضجيج، وبين صفحات بتتكرّر ومقولات بتنحكى بلا روح، بيطلع إسم بيكسر النمط، بيخلّي الذاكرة توقف، والعقل ينحني بإجلال. اسم من ذهب، مش عادي، مش مؤقّت، اسم بيحمل هيبة التاريخ، وقوّة الفلسفة، وعدالة القانون. الاسم هو: الأستاذ الدكتور مصطفى صقر. رجل مش بس أستاذ، بل علامة مضيئة بنقش الزمن، مرآة صادقة لحضارة أكاديمية ترفض التنازل، وتصرّ على البقاء رغم كل التحديات. الأستاذ الدكتور مصطفى صقر مش من الناس اللي بيمرّوا مرور الكرام على الحياة الجامعية. هو من الناس اللي بيتركوا في كل ركن أثراً، وفي كل طالب بذرة، وفي كل قاعة فكر. هو المعلّم اللي ما بيكتفي بتلقين المعلومة، بل بيزرعها، بيبنيها، بيربيها متل الأم اللي بتحضن طفلها، وبتصبر على تعبه، لحتى يصير إنسان حقيقي. بعيون الكلية، هو ركيزة، دعامة، مشهد دائم الحضور. بعيون العلم، هو مرجع، ومصدر، وحالة نادرة. اللي بيشوف الأستاذ الدكتور مصطفى صقر بمدرجات كلية الحقوق – جامعة المنصورة، بيعرف إنو ما في شي عادي بحضوره. ملامحه بتجمع بين الوقار، والصرامة الهادئة، والعينين اللي بتقرأك قبل ما تحكي. حضوره صامت أوقات، بس صوته جوّاني، بيشتغل جوّاتك من دون ما تحس. يمكن ما بيرفع الصوت، بس فكرُه بيعمل ضجيج، ضجيج من النوع البنّاء، يلي بيوعي فيك الوعي، وبيكسر فيك الجهل. هو مش أستاذ مادة... هو أستاذ قضية. قضيّته الحق، والعدالة، والتاريخ كضمير، والقانون كأداة للتوازن بين الإنسان والسلطة. بكل سطر من كتبه، بكل محاضرة من محاضراته، كان عم يرسم خريطة جديدة للفكر القانوني، مش بس كعلم، بل كفنّ وأخلاق ورؤية حضارية. التاريخ عنده ما كان مجرد ماضي، بل مرآة للمستقبل، والفلسفة مش تعقيد، بل منهج حياة، والنظم القانونية مش نصوص، بل كرامة الناس مكتوبة بحروف القانون. المدرّجات اللي استقبلته سنين طويلة، صارت بتحنّ لخطواته. الطباشير اللي مسكها بإيديه، كانت عم ترسم خطوط وعي عميقة مش بس عالسبورة، بل بعقول أجيال كاملة. والكرسي يلي كان يقعد عليه، كان كأنو عرش فكري، عم يطلق منو مفاهيم وتفسيرات ما سبقو عليها حدا. بعيدًا عن الإدعاء، وقريبًا من الحقيقة، هو من القلائل يلي بتكون معرفتن موسوعية بلا ما يتباهوا، وبيكون فكرن شمولي من دون ما يتخلّوا عن التواضع. هو العقل اللي حافظ على توازن رهيب بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث والحداثة، بين التاريخ والحاضر. كل طالب مرّ تحت سقف قاعة فيها الأستاذ الدكتور مصطفى صقر، طلع منّها متغيّر. مش لأنو حفظ معلومة، بل لأنو فهم المعنى. مش لأنو نجح بالامتحان، بل لأنو انجح كإنسان. في شي بكلامو، بطريقة شرحُه، بأسلوبو العميق، بيخليك تعيد النظر بكل شي كنت مفكّرو مسلّمات. بيخلّيك تتصالح مع المعرفة، وتفتح قلبك للتساؤل، وترجع تفكّر بالعدالة كحلم مش كعبء، وبالحرية كواجب مش كمطلب. وأكتر ما بيتميّز فيه، إنو مش بس أستاذ ناجح، هو إنسان ناجح. إنسان مؤمن برسالتو، صادق بمواقفو، وفيّ لطلابه، وعميق باحترامه للعلم. بيشوف بالجامعة مش بس مؤسّسة، بل مجتمع، وبيشوف بالطالب مش بس متلقّي، بل مشروع باحث، مشروع قائد، مشروع ضمير وطني. كل شي فيه بيقول إنو مش لحظة، بل تاريخ. مش مرحلة، بل مدرسة. مش تجربة، بل مسيرة. وهاد المسيرة، محفورة مش بالحبر، بل بالوجدان. كتب التاريخ ما رح تنساه، ولا الجامعات رح تنساه، ولا القاعات اللي ارتفعت فيها الأصوات لتحية حضورُه رح تسكت عن ذكراه. وبتضلّ صورته محفورة متل النصب التذكاري بقلوب اللي فهموا شو يعني تكون أستاذ، مش بالحبر، بل بالفعل. مش بالرتبة، بل بالرسالة. مش بالمواد، بل بالمعاني. الأستاذ الدكتور مصطفى صقر... هو مش بس رمز من رموز كلية الحقوق – جامعة المنصورة، هو من رموز مصر الفكرية العريقة، من أعمدة الحضارة اللي ما بتنهار، ومن الأصوات النبيلة اللي رح تضلّ تهمس بالعقل العربي: ما مات الفكر، ما مات الضمير، في ناس بعدا بتحمل شعلة النور، وبتصرّ تمشي ضد العتمة. هو مش أستاذ بس... هو تمثال حيّ للمعرفة والكرامة بزمن صار فيه التقدير مزاج، وصار التكريم مناسبة اجتماعية بدل ما يكون اعتراف بخلود العطاء، بيوقف اسم الأستاذ الدكتور مصطفى صقر كأنو نصب حجري، بس نابض، في ساحة الوعي الجامعي، في قلب الحقوق، وفي ضمير الطلاب. هيدا الرجل، ما بيكفيه شهادة ولا لقب ولا حتى صف طويل من الجوائز. هيدا الرجل، بيستحق تمثال، مش من برونز ولا رخام، بل من قلوب آلاف حملت فكرُه، ومشت بطريق نُوّره، وتنفّست من فلسفتو معنى الحقيقة. تمثال مش واقف عالبوابة، بل واقف بجوّاتنا. تمثال بيطلّ من كل مكتبة فيها كتاب خطّ فيه فكرُه، ومن كل قاعة نُطق فيها اسمه، ومن كل وجدان طالب تخرّج وهو بيحمل جزء من رسالتو. وإذا الزمن بعد بدو يحكي عن عظماء العلم، وعن فرسان الفلسفة، وعن رجالات القانون اللي ما باعوا فكرن ولا انحنوا للسطحي، رح يقول وبالصوت العالي: هيدا هو، الأستاذ الدكتور مصطفى صقر، رجل من زمن المواقف، وصانع منارات فكر، وصوت ما بيموت، لأنو حطّ نفسو بخدمة الإنسان قبل المؤسسة، ورفع فكرة الحق أعلى من كل المراتب، وصار بعيوننا أكتر من أستاذ... صار تمثال بحجم الوطن.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية