حين ينطق الفنان بما يعجز عنه المشرّع... تامر فرج يكتب بدموع القطط وصرخات الكلاب: حياة الحيوان تساوي حياة الإنسان.الراى

بتاريخ :الخميس 15 مايو 2025

الناشر :حسين احمد   عدد المشاهدات : 225 مشاهدات

حين ينطق الفنان بما يعجز عنه المشرّع... تامر فرج يكتب بدموع القطط وصرخات الكلاب: حياة الحيوان تساوي حياة الإنسان.الراى

 

الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

 

في زمنٍ باتت فيه الأرواح تُقاس بالمال، والمشاعر تُفصَّل على مقاس المصالح، والرحمة تُعلّق على شماعة الظروف، خرج صوتٌ من رحم الفن، لا ليُغني، بل ليُبكينا... خرج الفنان تامر فرج، لا ليؤدي دورًا على المسرح، بل ليؤدي فرضًا أخلاقيًا على مسرح الإنسانية، ويُوقظ ضميرًا نام طويلاً خلف جدران التشريع.

 

منشورٌ ناري، صادق، صارخ، متجرد من الحسابات والرماديات، يضرب بكل قواه على الطاولة الحديدية التي صارت تُساير الجريمة أكثر مما تردعها. منشور يُشبه بيان ثائر، صرخة مؤمنة، احتجاج نبوي، ودعوة ملحّة لإعادة قراءة كتب السماوات لا بعيون التحايل، بل بقلوب الطهارة التي خلقت أول مرة.

 

هل حياة الإنسان أغلى؟ من قال هذا؟ وأين؟

 

يبدأ تامر فرج منشوره بمخاطبة السلطات الثلاث في مصر: المشرعون، القضاة، ورجال الدين. يخاطبهم لا بلغة التوبيخ، بل بلغة الاستفاقة... يسألهم، لا ليفرض عليهم، بل ليضعهم أمام مرآة الدين نفسه، لا مرايا القوانين التي اعتادت الكيل بمكيالين. يسألهم: إلى متى سنظل نتحايل على شرع الله؟ إلى متى تُعامل أرواح الحيوانات وكأنها لا تساوي شيئًا؟ من الذي قال إن حياة الإنسان أغلى من حياة الحيوان؟ أليس الله هو من خلقهما؟ أليس هو القائل: "ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق"؟

 

ويُشير الفنان إلى مفارقة عميقة تفتك بضميرنا الجمعي: الله كرّم الإنسان، نعم، لكنه لم يُبرّر له إطلاقًا أن يذبح، أو يُعذب، أو يُحقّر باقي المخلوقات. فالتكريم هنا هو تكليف، وليس تشريفًا مطلقًا يُخوّله امتلاك مفاتيح الموت لغيره.

 

الآيات تتحدث عن "نفس"... لا عن "إنسان" فقط

 

يُدهشنا تامر فرج بجرأة لاهوتية وإنسانية نادرة، حين يُمعن في التأمل القرآني فيقول: الله لم يقل "من قتل إنسانًا بغير نفس"، بل قال: "من قتل نفسًا". وهذه ليست مجرد بلاغة لغوية، بل موقف تشريعي ضمني يُعبّر عن نظرة الإسلام الشاملة للروح، مهما كان جسدها: إنسانًا، حيوانًا، طائرًا، أو حتى كائنًا صغيرًا يُدبّ على الأرض.

 

ثم يُكمل بمنتهى الذكاء: "هتقولوا لأ، ده ربنا قصده الإنسان، واستخدم الكناية أو الاستعارة؟ طيب خدوا دي!" وهنا يدخل إلى منطقة الحديث القدسي، حيث يُذكّر بقصة المرأة التي دخلت النار لأنها حبست قطة، لا لأنها قتلتها، بل لأنها منعتها من حق العيش والكرامة.

 

قطة واحدة... أدخلت امرأة النار. فأين نحن من هذا؟ كيف نجرؤ على أن نرى مشاهد قتل الحيوانات في الشوارع، بالسُم أو الضرب أو الحرق، ثم نلتزم الصمت وكأن الأمر "لا يستحق الإعدام"؟

 

كلبٌ يُسقى، فيُغفر للإنسان

 

أمّا المشهد الأكثر شاعرية في طرح تامر فرج، فهو حين يستدعي الحديث الشريف الذي يروي كيف غفر الله لرجلٍ فقط لأنه سقى كلبًا عطشانًا. يتوقف الفنان عند كلمة "شكر الله له"، ليُفجّر تساؤلًا لا يطرحه كثيرون: هل ورد في أي نص ديني آخر أن الله شكر بني آدم؟ لا... لكنّه شكر الإنسان حين سقى كلبًا. فهل هناك أوضح من هذا التقدير الإلهي لقيمة حياة الحيوان؟

 

الرسالة: الإعدام لقاتل الحيوان

 

لا يُطالب تامر فرج بمواقف عاطفية، ولا يُناشد الضمائر بكلمات رقيقة، بل يُطالب بمنتهى الصراحة بـ: "الإعدام لقاتل الحيوان". مطلبٌ قد يبدو للبعض صادمًا، لكن الصدمة الحقيقة ليست في المطالبة، بل في جرائم القتل اليومية بحق الكائنات التي لا تملك لسانًا لتدافع عن نفسها، ولا قانونًا يحميها.

 

ما يطلبه تامر ليس ترفًا حضاريًا، بل واجبًا دينيًا وإنسانيًا وتشريعيًا. هو لا يطالب بالمساواة الشكلية، بل بتطبيق القصاص كما أُمرنا... لأن النفس – كما قال الله – ليست حكرًا على الإنسان.

 

ليس مجرد هاشتاغ... بل بيان إنساني ثوري

 

حين يقول # الإعدام_لقاتل_الحيوان، لا يقولها كمن يُطلق هاشتاغًا على منصات التواصل ليحصد إعجابات. بل يقولها كمن يُطلق دعوة للعالم أن يصحو. يُطالب بتغيير القوانين، بتعديل المادة التي تُعامل الحيوان ككائن من الدرجة الثانية، بينما الله نفسه جعله من "النفس" المحرّمة على القتل.

 

في الختام... هل نملك شجاعة تامر فرج؟

 

ما فعله تامر فرج هو أنه نقل المعركة من ميدان السوشيال ميديا إلى قاعة التشريع، ومن عاطفة الرأفة إلى قسوة العدل. هو لا يُدلّل الحيوانات، بل يُطالب بقصاص عادل يحفظ قيمة الحياة بكل أشكالها.

 

إنها ليست دعوة للإعدامات، بل دعوة للعدالة. ليست دعوة للتطرف، بل للتوازن. ليست فقط صرخة فنية، بل صرخة إيمانية وفكرية وأخلاقية.

 

فيا مشرعي مصر... ويا من تحكمون بأمر الله... هل سمعتم الصوت؟

وهل نملك جميعًا الشجاعة كي نرد: نعم، سمعنا، وسنُعدّل القوانين؟

أم سنبقى نصمّ آذاننا، حتى تصرخ الحيوانات في صمتها صرخةً لا تغفر لنا يوم الحساب؟

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية