واشنطن تُغلق أبوابها... والديون تفتح أبواب الخطر/جريده الراي

بتاريخ :السبت 01 نوفمبر 2025

الناشر :سميه محمد   عدد المشاهدات : 90 مشاهدات


بقلم د/احمد عبده
في هذه السلسلة التحليلية التي بدأناها عن الديون الأمريكية وفتيل الأزمة القادمة، نمضي اليوم إلى فصلٍ جديد تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد، وتنكشف فيه التصدعات داخل البيت الأمريكي ذاته. فحين تُغلق واشنطن أبوابها، لا يتوقف العمل الإداري فقط، بل تُفتح أبواب الخطر على مصراعيها أمام اقتصادٍ يقف على حافة العجز والثقة المنهارة.

في أكتوبر 2025، دخلت الحكومة الفيدرالية الأمريكية حالة إغلاق جزئي (Shutdown) بعد فشل الكونغرس في تمرير الموازنة العامة للسنة الجديدة، لتُعطّل بذلك آلاف المؤسسات، ويجد نحو 900 ألف موظف فدرالي أنفسهم بلا أجر، فيما يعمل الملايين الآخرون دون صرف رواتب فورية، وفقًا لبيانات موقع البيت الأبيض وتقارير مكتب الميزانية بالكونغرس (CBO).
قدّر المكتب الخسائر الاقتصادية بين 7 إلى 14 مليار دولار خلال أسابيع الإغلاق، مع انخفاض محتمل في الناتج المحلي الأمريكي بنسبة تتراوح بين 1 إلى 2% في الربع الأخير من العام — رقم صغير في الظاهر، لكنه كافٍ لإرباك الأسواق وزعزعة ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأكبر في العالم.

الإغلاق الحكومي ليس حادثًا عابرًا، بل مرآة صادقة لحالة الانقسام السياسي الداخلي (الخطوة الخامسة)، التي صارت أحد أخطر أسباب تفاقم الدين الأمريكي.
فحين تتحول الموازنة إلى ساحة صراع بين الحزبين، تُستَخدم أدوات الاقتصاد كوسائل ضغط سياسي، لا كأدوات إصلاح مالي. وهكذا، يصبح المواطن الأمريكي — الذي يُفترض أن يكون المستفيد من النظام — رهينةً لرهانات السياسة، لا لسياسات التنمية.

ثم يأتي الإنفاق العسكري (الخطوة السادسة) ليزيد الصورة تعقيدًا.
في عام 2024، بلغ الإنفاق الدفاعي الأمريكي نحو 997 مليار دولار، أي ما يعادل 37% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وفقًا لمعهد SIPRI.
أما ميزانية الدفاع المقترحة لعام 2025 فقد وصلت إلى 849.8 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة الدفاع الأمريكية (DoD).
أرقام مذهلة لجيشٍ لا ينافسه أحد، لكنها تكشف عن معادلة مُرهقة: قوة لا تهدأ، وخزينة لا تُغلق. فكل دولار يُنفق على السلاح، يُضاف إليه دولار آخر في خانة الدين العام.

وهنا نصل إلى الوجه السابع من الوجوه الثمانية: أن لكل دينٍ وجهين — فرصة ومخاطرة.
فالديون في ظاهرها تمنح واشنطن قدرة على تمويل مشاريعها وتحريك اقتصادها، لكنها في جوهرها سلسلة ثقيلة تُكبّل القرار، وتجعل الدولة رهينةً للفوائد والأسواق والمستثمرين.
الاقتراض السهل لا يُنتج دائمًا رخاءً، بل قد يصنع وهمًا مؤقتًا بالاستقرار، تُخفيه الأرقام بينما تتسع الفجوة في الداخل.

أما الخطوة الثامنة فتمتد خارج الحدود: نحو عالمٍ يتجه إلى تعدد الأقطاب، حيث لم يعد الدولار وحده سيد الموازين.
من الشرق إلى الجنوب، تظهر عملات جديدة للتبادل، وتُبنى تحالفات اقتصادية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تبحث عن استقلالٍ تدريجي من هيمنة العملة الأمريكية.
ومع كل تراجع في الثقة بالدولار، تضعف قبضة الدين الأمريكي على العالم، وتخسر واشنطن أحد أعمدة نفوذها الناعمة.

وهكذا، تُغلق واشنطن أبوابها على انقسامٍ لا يُخفيه الصخب، بينما تُفتح أبواب الخطر على اتساعها أمام عالمٍ يترقب ارتداد الصدى.
لكن ما سيحدث حين تبدأ الديون الأمريكية في التأثير خارج حدودها، حين تهتز الأسواق وتُختبر عملات العالم أمام الدولار؟
ذلك ما سنحاول أن نقرأه معًا في المقال القادم من هذه السلسلة... عن الاقتصاد العالمي حين تتعثر الإمبراطورية في حسابها الأخير.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية