قراءة تحليلية في مقال بلومبرج عن الرئيس السيسي ومصر ـ جريدة الراي.

بتاريخ :الجمعة 19 ديسمبر 2025

الناشر :ولاءهنداوي   عدد المشاهدات : 255 مشاهدات

قراءة تحليلية في مقال بلومبرج عن الرئيس السيسي ومصر ـ جريدة الراي.

بقلم د/ احمد عبده

 

حين تكتب مؤسسة بحجم بلومبرج عن مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي، فالأمر يتجاوز حدود الخبر أو الوصف العابر، ويدخل في نطاق قراءة أعمق لتحولات الدور والموقع في لحظة عالمية مرتبكة، تتراجع فيها اليقينيات القديمة، وتتصاعد فيها حسابات القوة والتوازن.

 

مقال بلومبرج لا يمكن فصله عن السياق الدولي الراهن، حيث يشهد النظام العالمي حالة من إعادة التشكل، وتبحث القوى الكبرى عن شركاء قادرين على لعب أدوار مستقلة، لا مجرد تابعين. ومن هذا المنطلق، يظهر الرئيس السيسي في المقال بوصفه قائدًا اختار أن يدير علاقات بلاده بمنطق الدولة، لا بمنطق الاصطفاف الأعمى أو الرهان الأحادي.

 

اللافت في الطرح الغربي أن الحديث عن مصر لم يعد محصورًا في ملفات الاقتصاد أو الضغوط المالية، بل امتد ليشمل دور القاهرة السياسي والإقليمي، وقدرتها على التحرك بين واشنطن وموسكو وبكين دون القطيعة مع أي طرف. وهو ما يعكس اعترافًا غير مباشر بأن السياسة المصرية في عهد السيسي باتت أكثر استقلالًا، وأكثر وعيًا بتعقيدات المشهد الدولي.

 

بلومبرج تشير، وإن بقدر من التحفظ، إلى أن مصر أصبحت لاعبًا لا يمكن تجاهله في ملفات شديدة الحساسية، على رأسها القضية الفلسطينية، وأمن غزة، واستقرار شرق المتوسط، وحركة التجارة العالمية عبر قناة السويس. وهي ملفات لا تحتمل الارتجال، ولا تُدار إلا من موقع يمتلك أدوات التأثير والقدرة على التوازن.

 

وفي عمق المقال، يظهر إدراك غربي متزايد بأن القيادة المصرية لا تفصل بين الداخل والخارج، وأن ما يبدو للبعض تشددًا في القرار السياسي هو في حقيقته محاولة لحماية الدولة من كلفة الفوضى، في إقليم دفع أثمانًا باهظة حين غابت فيه الدول القوية، وتصدرت فيه الميليشيات والولاءات العابرة للحدود.

 

كما يعكس المقال قلقًا مكتومًا من نموذج مصري لا يسير وفق الوصفات الجاهزة، ولا يستجيب بسهولة لمنطق الإملاءات. فمصر، رغم الضغوط الاقتصادية، لم تُفرط في ثوابتها السياسية، ولم تُقايض دورها الإقليمي بمساعدات مؤقتة، بل اختارت تنويع الشراكات وتوسيع هامش الحركة، حتى في أكثر اللحظات صعوبة.

 

ولا يمكن إغفال أن بلومبرج، رغم نبرتها التحليلية، تكتب من زاوية مصالح الغرب، وهو ما يجعل بعض الملاحظات الواردة في المقال تعبيرًا عن اختلاف رؤية أكثر منه إدانة مباشرة. لكن هذا الاختلاف ذاته يكشف حقيقة مهمة: أن القاهرة لم تعد تتحرك وفق ما يُملى عليها، بل وفق ما تراه مناسبًا لأمنها القومي ودورها التاريخي.

 

في المحصلة، يقدم مقال بلومبرج شهادة غير مباشرة على أن مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي نجحت في إعادة تعريف موقعها، لا كدولة هامشية تبحث عن رضا الآخرين، بل كدولة مركزية تدير علاقاتها بعقل بارد، وتتحرك في عالم مضطرب بثقة محسوبة.

 

وهكذا، تمضي مصر في زمن تتساقط فيه التحالفات، محافظة على توازنها، وممسكة بخيوط قرارها، مدركة أن احترام الدول لا يُمنح، بل يُنتزع… وأن الدولة التي تعرف طريقها، لا تضل مهما اشتدت العواصف.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية