أسبوع إفتتاحات الصعيد حمل عدة رسائل متنوعة

بتاريخ :الأربعاء 29 ديسمبر 2021

الناشر :tareak   عدد المشاهدات : 256 مشاهدات

 

متابعة  / يوحنا عزمي 

 

يجيد الرئيس السيسى مخاطبة المصريين ، معتمداً على أسلوب هو أقرب إلى السهل الممتنع ، موقناً بأن الصدق يصل إلى قلوب الصادقين ، وهو يشرح منهجه فى التنمية ورؤيته لها بطريقة بسيطة ، مفضلًا الحديث من خلال أمثلة توضيحية تصل بالمعنى..

 

يحول فيها حفلات الافتتاح لمناسبات سياسية وإعلامية معا تصل بها رسالة الدولة للناس ، ويتم تقديم كشف حساب بما تم إنجازه .. دون حاجة لوسطاء سياسيين ولا إعلاميين بعد أن أثبتت تجارب السنوات أنه ليس كل من يؤتمن يكون من أهل الأمانة ..

 

يفهم الرئيس إيقاع العصر ولغته .. فلم يعد الزمن زمن الخطب الطويلة التى تمتد بالساعات ، والتى ورثها رؤساء مصر من زمن ما قبل يوليو وحافظوا عليها كطقس سياسى ثابت ، هذا زمان الرسائل القصيرة واللغة البسيطة والأمثلة التوضيحية التى يشرح فيها الرئيس منهجه من خلال الحديث عن مزرعة ما أو مصنع ما أو بحيرة أو مجال يحتاج إلى طريقة إدارة معينة ..

 

والحقيقة أن أسبوع افتتاحات الصعيد حمل عدة رسائل متنوعة يمكن لكل شخص أن يجتهد فى قراءتها وفهمها 

وقد أديت واجبى فى الاجتهاد وقراءة الرسائل ، وأظن أن أولى هذه الرسائل هى عدالة التنمية ، ونهاية عقود حرمان الصعيد ، وعقابه وتجاهله ، وهذه هى الرسالة العامة التى قالها أسبوع الافتتاحات التى كشفت عن جهد مستمر منذ ٢٠١٤ تضاعف منذ ٢٠١٧، وعن هيئة خاصة أسست لتنمية الصعيد ، وعن تريليون جنيه تقريباً خصصت للصعيد وحده ومازال فى جعبة الدولة الكثير ..

 

وثانى الرسائل كانت رسالة فرعية ودودة ذات طابع إنسانى عبرت عن نفسها فى زيارة الرئيس قرية غرب سهيل فى النوبة ، وهى زيارة رمزية تحمل رسالة مصالحة وتطييب خاطر ، تأتى عقب إجراءات كثيرة قام بها الرئيس السيسى دون غيره تمثلت فى دفع تعويضات مادية تأخرت سنوات طويلة ، وتوزيع أراض مستحقة لأهلنا فى النوبة ، حيث قدم المصريون النوبيون تضحيات غالية منذ إنشاء خزان أسوان فى بداية القرن ، ثم بناء السد العالى ، ما استدعى تهجيرهم من قراهم وأراضيهم ، وعانى بعضهم مشاعر الاغتراب والمرارة ، وعبر بعضهم عن هذا فى روايات شهيرة ..

 

وتدخل بعض المغرضين للصيد فى الماء العكر ، لكن انتهى

كل هذا منذ ٢٠١٤، حيث استخدم السيسى سلاح الإنصاف والمصالحة .. بعقلية رجل أمن يعرف ما يحاك من مؤامرات وبعقلية وطنى مصرى يريد أن يرى المصريين على قلب رجل واحد ، وبعقلية رجل أخلاقى لا يحب أن يظلم أحد دون داع أو مبرر ..

 

وكانت ثالث رسائل الصعيد ما كرره الرئيس من دعوة للقطاع الخاص للمشاركة فى كل القطاعات .. وهى دعوة تقول إن الدولة ليست ضد اقتصاد السوق ، بل إنها تتبناه ، وتدعو لإدارة قطاع الأعمال نفسه وفق قواعد السوق ، لكن الحقيقة أن الدولة مارست دورها فى التخطيط ، وتحديد احتياجات المجتمع ، وأسست البنية الأساسية فى المجالات التى نحتاجها "الزراعة مثلًا" ، ثم دعت القطاع الخاص لأن يدخل ويستثمر ويربح ..

 

والحقيقة أن هذا مختلف عن رؤية بعض رجال الأعمال لدينا الذين أهدروا مبدأ التخصص والتراكم ، وأصبح بعضهم يقفز من مجال إلى آخر ، بحثا عن أعلى معدل ربح ممكن دون النظر للقيمة التى يضيفها للمجتمع .. فتجد رجل أعمال نجح للغاية فى مجال الزراعة وبدلاً من أن يراكم خبرات فى هذا المجال الحيوى، يتوقف عن الاستثمار فى الزراعة ليفتح محلًا للحلوى ، لأنه اكتشف أن الحلوى تكسب أكثر.. ثم يحول المحل إلى سلسلة محلات لهذا النشاط الاستهلاكى بالأساس ثم يحول المحلات إلى مقاهى ، لأنه اكتشف أن المقاهى تحقق أرباحاً أكثر وأكثر ، ثم يكتشف أن المشاريع العقارية تحقق أرباحاً بالمليارات فيحصل على ملايين الأمتار على أنها أرض زراعية ويحولها لمشروع عقاري يضع فيه المواطنون المليارات ، ثم يكتشف أن الجامعات الخاصة هى الفرخة التى تبيض ذهبا فيفتتح جامعة خاصة ويغرى أساتذة الجامعات العريقة بالعمل لديه .. فيفرغ هذه الجامعات من كوادرها العلمية .. ولو استمر هذا الرجل فى مجاله الأصلى لأضاف للبلد مزيداً من الصادرات والعملة الصعبة والخبرة العلمية فى هذا المجال الهام .. لكنه أخذ يقفز من مجال لآخر بحثا عن الربح السريع ، وهو ربح حلال من الناحية النظرية لكنه حرام من الناحية الوطنية .. لأنه لم يضف شيئاً للاقتصاد الوطنى مقارنة بما كان سيقدمه لو استمر فى مجاله الأصلى ذى الطابع الإنتاجى ..

 

وما ينطبق على رجل الزراعة ينطبق على رجل صناعة الإلكترونيات والذى كرر نفس المسار حرفياً ، وينطبق على الكثيرين من الذين تم إغراؤهم بالتخلى عن مجالات عملهم الأصلية المفيدة للمجتمع ، والبحث عن الربح السريع والمضمون ، فامتلأ البلد مجمعات سكنية فاخرة وجامعات خاصة ، فى حين أننا لا نجد رءوس أموال تلبى احتياجاتنا فى مجالى الزراعة والصناعة اللذين هما قوام الحياة ومصدر العملة الصعبة وزيادة الصادرات ، وقد كان هذا جانباً من قصة الفساد والإفساد فى الأربعين عاماً الأخيرة من عمر مصر ..

 

أما رابع الرسائل فهى تربك من لا يفهم .. فالرئيس الذى يدعو القطاع الخاص للمشاركة ، وفق ضوابط التنمية ، يدرك جيداً الممارسات التى أدت إلى فشل القطاع العام ، وإفساده على مدى العقود الأربعة الماضية ، حيث تعامل معه البعض على أنه مال سايب ، واعتبر بعض المديرين أنهم ملاك للشركات التى يديرونها لا أمناء عليها .. وساعد على ذلك عدم وجود رقابة صارمة ورغبة البعض فى إفساد القطاع العام حتى يسهل التخلص منه ، وتورط بعض رجال الأعمال فى رشوة مديرى شركات القطاع العام حتى تخلو لهم السوق ، وهى وقائع احتوتها أوراق بعض قضايا الفساد مثل قضية "الحباك" وغيرها ..

 

وأظن أن رسالة الرئيس للبعض كانت واضحة وحاسمة وأظنها مبنية على معلومات لديه ، وأقول إن القطاع العام ليس بقرة مقدسة ، وإن الناس ما دامت تثق فى أمانة الدولة ورئيسها فهم مطمئنون لطريقة إدارة أصول الدولة المصرية فلا يهم لون القط .. وهل هو أبيض أم أسود .. المهم أن يصطاد الفئران .. وأظنه سيصطادهم جميعا فى أقرب فرصة.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية