التعامل في البيع والشراء |جريدة الراي

بتاريخ :الأحد 27 مارس 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 116 مشاهدات


بقلم / محمـــد الدكــرورى 

لقد فرض الإسلام علينا فرائض ووضع لنا حدودا وشروطا لكل التعاملات وأمرنا الله عز وجل بأن لا نتعدي حدوده عز وجل، وفي التعامل في البيع والشراء حدود وشروط حتي يصح هذا البيع ويكون جائزا ومشروعا ومن ذلك أنه يجب علي البائع إظهار ما في المبيع من عيوب وهذا واجب ومن حق المسلم علي أخيه المسلم،إذ روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له رواه ابن ماجه، وعن أبي سباع رضي الله عنه قال " اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجر إزاره فقال اشتريت؟ قلت نعم، قال أبيّن لك ما فيها، قلت وما فيها؟ قال إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟ 

قلت أردت بها الحج، قال فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد علي، قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه" كذلك حذر المولي سبحانه وتعالى من الغش في الكيل والميزان،فجاءت آيات القرآن تذكر الناس بمراعاة القسط في المكاييل والموازين كما في قوله تعالى " والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" وهدد الذين يتلاعبون بالمكاييل والموازين بعذاب أليم يوم القيامة فقال تعالي " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين" وهنا تنبيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه التاجر من السعة في الوزن.

وأن وزنه محاسب عليه أمام الله تعالى، كما أخبر المولي سبحانه وتعالى في سورة المطففين، وأيضا التزام الصدق والأمانة عند التعامل بيعا وشراءا ونحوهما ويدل على هذا ما روي عن رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى يا معشر التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم، فقال "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق" رواه الترمذي، وهذا يدل على طلب الإسلام الصدق من المتعاملين والبر في معاملاتهم مع غيرهم، وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق عامة، فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. 

"إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" رواه البخاري، وكما قال صلى الله عليه وسلم " التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء" رواه الترمذي، وهو التاجر الذي يلتزم الأمانة والصدق في بيعه وشرائه وفي سائر معاملاته، وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" رواه البخاري ومسلم، وكذلك نهي عن الحلف كاذبا، فإن الحلف كاذبا حرام، وأشده حرمة من أجل الكسب، فعن أبي ذر رضي الله عنه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم. 

"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سعلته بالحلف الكاذب" رواه مسلم، ولقد أعطي السلف الصالح نموذجا رائعا للتاجر الصادق الأمين فهذا يونس ابن عبيد الله رحمه الله تعالى من التجار فكان عنده حلل مختلفة الأثمان، ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة، وضرب كل حلة قيمتها مائتان، فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان، فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة فعرض عليه من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها، فاشتراها فمضى بها وهي على يديه، فاستقبله يونس فعرف حلته، فقال للأعرابي بكم اشتريت؟ فقال بأربعمائة،  فقال لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها، فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها، فقال له يونس انصرف. 

فإن النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها، ثم رده إلى الدكان ورد عليه مائتي درهم، وخاصم ابن أخيه في ذلك وقاتله وقال أما استحييت، أما اتقيت الله، تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين، فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها، قال فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك؟ ومطلوب الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى وهذا من منهج الإسلام الذي وضعه لتربية الناس على خلق الأمانة خاصة في البيع والشراء فقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه الشعور الدائم بمراقبة الله تعالى، والإحساس بمعيته في جميع الأحوال في السفر والحضر، في الخلوة والجلوة، في الليل والنهار، في السرّ والعلانية، وهكذا ربط هذا المنهج التربوي الناس بربهم فراقبوه في أعمالهم حتى أينعت ثمرات هذا المنهج، فظهرت الأمانة في أبهى صورها عبر أحداث روتها لنا كتب الحديث الصحيحة. 

ومن ذلك ما روى عن عبد الله بن دينار أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر بنا راعٍ من الجبل فقال له، يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال إني مملوك فقال قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي فأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه ثم غدا مع المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال أعتقتك الصدق في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن يعتقك في الآخرة، وكذلك عدم الاحتكار وهو حبس الشيء عن العرض وقت الرخص، وبيعه وقت الغلاء في السوق، وعند اشتداد الحاجة إليه لأن الاحتكار حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحتكر إلا خاطئ" رواه مسلم وأبو داد، وروي عن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس" وإن الاحتكار جريمة ضد الإنسانية تستوجب الطرد من رحمة الله تعالي ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون" .

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية