مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :شريف عدد المشاهدات : 128 مشاهدات
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، وإن العمر مهما طال فلابد من دخول القبر، فإن الموت هو حقيقة عظيمة من حقائق الإيمان، مَن أنكرها كفر، وأصلاه الله سقر، والموت حقيقة عظيمة أوصانا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها، ومع هذا فالكثير منا يشمئزون عند ذكرها ولا يحبون الحديث عنها، إنها حقيقة الموت وهذه هي الحقيقة الواضحه وهذه الدار الدنيا هي التي سماها الله سبحانه وتعالى متاع الغرور فحياتها عناء ونعيمها ابتلاء وملكها فناء العمر فيها قصير والخطر المحدق كبير، وقد روي أن ملك الموت دخل على نبى الله داود عليه السلام فقال من أنت؟ فقال ملك الموت أنا مَن لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال فإذن أنت ملك الموت؟ قال نعم، قال أتيتني ولم أستعد بعد؟ قال يا داود، أين فلان قريبك؟
أين فلان جارك؟ قال مات، قال أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟ فمن تعلق قلبه بالدنيا لم يجد لذة الخلوة مع الله، ومن تعلق قلبه باللهو لم يجد لذة الأنس بكلام الله، ومن تعلق قلبه بالجاه لم يجد لذة التواضع بين يدي الله، ومن تعلق قلبه بالمال لم يجد لذة الاقراض لله، ومن تعلق قلبه بالشهوات لم يجد لذة الفهم عن الله، ومن تعلق قلبه بالزوجة والولد لم يجد لذة الجهاد في سبيل الله، ومن كثرت منه الآمال لم يجد في نفسه شوقا إلى الجنة، والناس يفرون من ذكر الموت، ويفرون من الموت، ويحسب الإنسان أنه إذا خنس من الموت بوسيلة، أنه قد فر منه، وأنه لن يقع فيه، وإذا هو يفر من سماع مواعظ الموت لأنها تقطع عليه لذات الدنيا، وتجعله يعيش في مخاوف عظيمة، لذلك ترى أكثر الناس لا يحبون سماع مثل هذه المواعظ، ولكن الله عز وجل قرر في قرآنه العظيم.
وكتابه العزيز، حتى لا يظن ظان أنه بعيد عن هذا الموضوع ، فقال تعالي " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" فالحياة الدنيا هي متاع الغرور، وكل شيء إلى الله صائر، ولا يبقى إلا وجه الله العظيم، فرسول الله أعظم البشر، وأحب خلق الله إلى الله، صلي الله عليه وسلم وعظه الله تعالي بالموت فقال له " إنك ميت وإنهم ميتون" فقال له إنك ميت أنت يا محمد عليه الصلاه والسلام ولن تنجو من الموت كما لم ينجو أحد من الأنبياء من قبلك، وهذا الموت كتاب مؤجل، لا يستقدم عنه الميت لحظة ولا يستأخر، فقال الله عز وجل " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" ومهما حرص الحريصون على الفرار من الموت.
وعلى الدخول في الأغطية والمحصنات من المباني، فإن الله عز وجل يخرج أرواحهم من داخل تلك المباني، فقال عز وجل " إينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" والقبر أول منازل الآخرة، فإن كان من أهل الجنة عُرض له مقعده من الجنة، وإن كان من أهل النار عُرض عليه مقعده من النار، ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه نورا ونعيما إلى يوم يبعثون وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وإننا نحتاج حاجة عظيمة إلى التمعن والتفكر في هذه المسألة لأنها أساس التقوى، ولب العمل الصالح، وهي دافع مهم من الدوافع على القدوم على الله عز وجل بأعمال صالحة، إذا فكر الإنسان في الميت، يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، مساكين أهل القبور.
عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، كانوا أهل الدور والقصور فصاروا أهل التراب والقبور، فكانوا أهل النعمة فصاروا أهل الوحشة والمحنة، فقد سالت العيون، وصدأة الجفون، وتقطعت الأوصال، وبطلت الآمال، وصار الضحك بكاء، والصحة داء، والبقاء فناء، والشهوة حشرات، والتبعات زفرات، فما بيدهم إلا البكاء والحسرات، نفدت الأعمار وبقيت الأوزار، لسان حالهم يقول حسرتنا أن ندرك وقتا نصلي فيه ركعتين، وأنتم تقدرون وهم لا يقدرون، وما حال أزواجهم؟ وما حال أيتامهم؟ وما عاقبة أموالهم؟ فالأعمال قد انقطعت، والحسرات قد بقيت، والأموال قد فنيت، والأزواج قد نكحت، والدور قد خربت، وقال أحد السلف كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا، وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا.
وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا، فعلى ما تفرحون؟ وما عسيتم تنتظرون؟ ثم تأتي اللحظة التي قدر الله عز وجل لك فيها أن تترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، أي إلى عالم الفناء، إلى عالم القبور، فيأتي الموت في اللحظة التي حددها الله تبارك وتعالى لك، فينقلك الموت بعظمة الله عز وجل من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب، فهذه هي المرحلة الثانية مرحلة الموت، يوم أن تنتقل بعد مولدك وبعد حياتك وبعد عيشك إلى عالم يسمى بعالم البرزخ، إلى عالم الفناء، إلى عالم الحق عند الله الحق جل وعلا فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك؟ وانتقالك عن موضعك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصحب والرفيق.
وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر، فيا جامع والمال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك والله إلا الأكفان، بل للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين المال الذي جمعته؟ هل أنقذك من هذه الأهوال؟ وقال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لعالم من العلماء عظني، فقال له لست أول خليفة تموت قال زدني قال ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وسيأتي دورك يا عمر، وسيأتي دورك يا عمر، فبكى عمر بن عبد العزيز رحمه الله وخرّ مغشيا عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكيس الناس أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة " رواه الطبراني.
والعاقل اللبيب هو الذي يذكر الموت، وهو الذي يستعد للموت، وهو الذي يذكر نفسه دائما وأبدا بالموت، وهو الذي يعلم علم اليقين أن هذه الحياة مهما عاش فيها فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، لأن الليل مهما طال لا بد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لا بد من دخول القبر .