مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :شريف عدد المشاهدات : 345 مشاهدات
بقلم / يوحنا عزمي
ليس في اعتقادي ان هناك حربا بعد الحرب الباردة احدثت من التصدع في علاقات الفاعلين الدوليين الكبار ببعضهم ومن الإرتباك والتسيب في أوضاع النظام السياسي الدولي وفي نمط اداء اجهزته ومؤسساته داخل الأمم المتحدة وخارجها ، ومن الاصداء المسموعة في كل مكان في العالم كتلك التي احدثتها حرب روسيا في اوكرانيا.
لقد أعادت هذه الحرب العالم من جديد إلى صراعات القوة الدولية في اسوأ اشكالها وفي اكثر صورها تهديداً للسلم والأمن الدوليين ، حتي إنه وللمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة يتجدد الحديث في عواصم الدول الكبري عن خطر نشوب حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها الأسلحة النووية وهو ما أصاب العالم بالذعر بعد ان تصور ان خطر هذه النوعية المدمرة من الأسلحة قد زال تماما وأصبح اثراً من مخلفات الحرب الباردة القديمة.
كما تاثرت سلبا وبدرجة كبيرة الكثير من المفاهيم الدولية الجديدة التي راجت واستقطبت اهتمامات العالم في فترة
ما بعد الحرب الباردة ، كمفاهيم العولمة التي تعني ترابط دول العالم مع بعضها في كافة مجالات الحياة الدولية والنشاط الدولي الإنساني العام بصورة لم يسبق لها مثيل ..
ومفاهيم الإعتماد الدولي المتبادل ، والقوة الناعمة بدورها الإيجابي الجديد في العلاقات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة والدبلوماسية الوقائية ، والمنع الوقائي والردع الاستباقي للصراعات والأزمات الحادة المهددة للسلم الدولي لوقف تصاعدها ولمنع انفجارها وتحولها إلى حروب دولية ساخنة والمجتمع المدني العالمي بمنظماته العابرة لحدود الدول ودوره المهم في الدفاع عن قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان وحماية البيئة ..
والقضاء الجنائي الدولي بمواثيقه ومؤسساته الجديدة
ودوره في ردع ومعاقبة الجرائم المتعلقة بالحروب العدوانية ، وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية بمختلف صورها ، والتدخل الدولي الإنساني بإتاحة المساعدات الاغاثية الضرورية للمتضررين والمحتاجين في مناطق الصراعات المسلحة والنكبات الطبيعية ولملايين النازحين واللاجئين والمشردين في العالم ..
فضلا عن المفاهيم المتعلقة بحرية الإعلام وتداول المعلومات وحوار الثقافات والأديان ، والحرب الدولية علي الإرهاب والعنف والتطرف بكافة مظاهره وأشكاله ، وإصلاح الأمم المتحدة لتخليصها من عيوبها وتعظيم دورها في مواجهة تحديات عالم متغير ..
وحماية البيئة الإنسانية من التدهور كاولوية عالمية حفاظا علي الموارد الطبيعية والاقتصادية من النضوب والتآكل .. وحمايتها من خطر اهدارها او سوء استخدامها في مواجهة الزيادات السكانية الجامحة والمفرطة ..
والتنمية المستدامة لمحاربة الفقر والمجاعات والإحباط .. وسوء الأحوال المعيشية في دول كثيرة في العالم وما تفضي إليه هذه الظواهر الإنسانية والإجتماعية السلبية بالضرورة من هجرات بشرية كثيفة وغير مشروعة عابرة لحدود الدول.
هذه هي المفاهيم والأولويات وبرامج العمل التي كانت مطروحة علي اجندة اهتمامات العالم والتي كان من
المتصور إنها ستساعده في التغلب علي هذا السيل الضخم من التحديات والاخطار والتهديدات والأزمات ، والتي كانت تستدعي بطبيعتها تكاتف وتساند كافة الجهود والإمكانات والخبرات والطاقات العلمية والإقتصادية والتكنولوجية الدولية ، ومن تضامن الأقطاب الدوليين الكبار مع بعضهم
في مواجهتها جميعا وبلا استثناء ..
حتي جاءت الحرب الأوكرانية لتبدد كل هذه الآمال والطموحات والتطلعات ولتقلب توقعات العالم راسا علي عقب ، ولتدخل العالم من جديد في دوامة لا تنتهي من الصراعات والخلافات والانقسامات التي لن تترك مكانا
او مجالا واحداً في العالم الا وسوف تؤثر فيه وتمتد إليه
بعد كل ما جري فيه وما يزال يجري علي قدم وساق.
وهو ما قد ينتهي بنا إلى نظام دولي مختلف واسوأ بكثير
مما نحن فيه ، نظام بلا اية سمات او معالم محددة تدل علي طبيعته او علي حقيقة هويته المميزة له ، نظام يتصارع فيه الأقطاب الكبار علي كل شئ ، ولا يبقي فيه للصغار اي شيء
نظام يفتقر بحكم الاختلال الهائل في نمط علاقاته غير المتوازنة بين القادرين وغير القادرين ، وبين الأقوياء والضعفاء فيه ، إلى ابسط معايير العدالة الدولية والتي بدونها لن يكون هناك أمن أَو سلام او استقرار ..
نظام سوف تتفاقم فيه المشكلات والأزمات والصراعات
بدلاً من ان تجد فيه طريقها إلى الحل والانفراج ، ولتبدأ
رحلة العالم مع المتاعب والمعاناة من جديد او هذا ما اتصوره