العمل والأخلاق الإسلامية |جريدة الراي

بتاريخ :الخميس 12 مايو 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 135 مشاهدات


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الإسلام دين العدل والرحمة والعمل، لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة البشرية، ولا يكبت كذلك طاقة بناءة من طاقات الإنسان تعمل عملا نافعا سويا، ومن ثم حارب الرهبانية، لأنها كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله تعالى لها النماء، كما نهى سبحانة عن تحريم الطيبات كلها لأنها من عوامل بناء الحياة ونموها، وتحقيق مراد الله عز وجل في الحياة، وإن الحلال كله طيب، والحرام كله خبيث، فلا يستويان أبدا، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة " قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون" وإذا كانت كثرة الخبيث تغر وتعجب ففي الطيب متاع بلا معقبات من ندم أو تلف، وبلا عواقب من ألم أو مرض، وما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيب مثلها، بل أحسن منها على اعتدال وأمن من العاقبة في الدنيا والآخرة.

فكل ما أحله الله تعالى فهو الطيب، وكل ما حرمه فهو الخبيث، وليس للإنسان أن يختار لنفسه غير ما اختاره الله تعالى له لأمرين، أحدهما هو أن التحليل والتحريم من خصائص الله الرازق، فمن اختار لنفسه غير ما اختار الله فهو الاعتداء الذى لا يحبه الله عز وجل، ولا يستقيم معه إيمان، والثاني وهو أن الله تعالى يحل الطيبات، فلا يحرم أحد على نفسه تلك الطيبات التي بها صلاحه وصلاح حياته، فإن بصره بنفسه، وبصره بالحياة لن يبلغ بصر الحكيم الخبير الذي أحل هذه الطيبات، فالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، تظهر آثار الإيمان بالله الواحد في العبادات التي بين العبد وربه، وفي المعاملات التي بين العبد وغيره، فكل ما جاء به الإسلام فنحن مأمورون باتباعه وعدم الخروج عنه كما قال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنعام " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" 

ولا شك أن الإيمان بالله يقتضي فعل جميع أوامر الدين، واجتناب نواهيه، ومن عمل ببعض أوامره، وترك البعض الآخر، فما أجدره بالخزي في الدنيا، والعذاب الشديد على جرمه في الآخرة كما قال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" ولا يفعل ذلك إلا من زهد فى الدين فأخذ ما يروق له، وترك ما لا تحب نفسه، واشترى الحياة الدنيا بالآخرة كما قال الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة البقرة " أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون" وإنه لمن المؤسف حقا أن كثيرا من المتحمسين لهذا الدين ضلوا الطريق، فجعلوا قضية الحكم بغير ما أنزل الله في شؤون الحياة قضية منفصلة عن قضية العقيدة، لا تجيش لها نفوسهم كما تجيش للعقيدة، ولا يعدون المروق منها مروقا من الدين كالذى يمرق من عقيدة أو عبادة. 

والعمل بشريعة الله تعالى يجب أن يقوم ابتداء على العبودية لله عز وجل، على الطاعة لله تعالى، إظهارا لكمال العبودية لله سبحانه، وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يلتمس حكمة الله عز وجل بقدر ما يستطيع فيما أمر الله تعالى به أو نهى عنه، فإن عرف الحكمة فذلك من فضل الله، وإن لم يعرف فمقتضى العبودية الطاعة والانقياد والتسليم لله عز وجل، والعقل كلما تخلص من الهوى بمخالطة التقوى له، ومراقبة القلب له، يختار الطيب على الخبيث، فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، والله سبحانه، جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأكرمها بأفضل الكتب والرسل والشرائع، وأعدها لحمل منهج الله في الأرض، لتستقيم عليه، وتقيم الناس عليه، وحينئذ تكون ربانية حقا، وترتفع بشريتها إلى أحسن تقويم، وإن هذا الدين هو مجموعة أوامر الله التي أنزلها في كتابه، وأمر بها جميع عباده.

وإن العمل في الإسلام مرتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا لأن القيم والأخلاق الإسلامية هي التي توجه العمل الوجهة الصحيحة، وعندما نتأمل في مجموعة المبادئ والقيم الخلقية التي حث الإسلام على تمثلها في أداء العمل نجد أنه يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات فالأولى منها في طبيعة العمل، والثانية في العامل نفسه، والثالثة في رب العمل، ولقد جاء الإسلام بكثير من القيم الخلقية التي ينبغي على أطراف العمل الالتزام بها، ولعل من أبرز هذه القيم هو مشروعية العمل، فإذا كان الإسلام يحفز على العمل، ويدفع الناس إليه لكي يعيشوا في كرامة وعزّة، ويترك الحرية لهم في اختيار أي عمل بدني أو ذهني يخدم المجتمع، ويدفع بالأمة إلى طريق التقدم والرقي في كافة المجالات، فقد جعل الإسلام العمل المشروع من أبرز المبادئ التي ينبغي أن يقوم عليها طلب الرزق، فالواجب على كل مسلم هو تحري العمل المشروع المباح واجتناب جميع الأعمال التي نهى عنها الإسلام وحذر منها.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية