المزارع المجد |جريدة الراي

بتاريخ :الثلاثاء 17 مايو 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 154 مشاهدات


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الفلاح إنما يحصل بالإيمان والعمل الصالح، ولا فلاح بلا إيمان، كما أنه لا فلاح بلا عمل صالح، وإن الزراعة مهنة من أجلّ المهن، وآية من آيات الله، وسبيل لترسيخ الإيمان في القلوب، ودليل على وحدانية الله عز وجل، وتعدد أنواع الزرع آية من آيات الله تعالي فهذا حَب، وهذا ثمر، وهذا زهر، وهذا عشب، وهذه فاكهة وهذه خضر، وهذا معروش، وهذا غير معروش، وإن في اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله عز وجل، وإن المزارع يضع الحبة في الأرض ويرويها بالماء الذي سخره الله له، ويهيئ لها الأرض التي هيأها الله عز وجل له ويستخدم الآلات التي أنعم الله بها عليه، وينتظر ماذا يحدث لها، فمن الذي يشق الأرض عن هذا الزرع ويفلق الحب والنوى؟ مَن غير الله سبحانه؟ وإن الزرع دليل حي على زوال الدنيا، وإن هذا المثل يضربه الله عز وجل للإنسان في الدنيا يبدأ الإنسان ضعيفا.

ثم يشتد عوده ويصل إلى مرحلة الشباب ويظن الشاب أنه سيعيش أبدا، وأنه يستطيع أن يفعل كذا وكذا، ثم يصل الإنسان إلى الشيخوخة ويكبر ويعجز، ويصير كالزرع الذي اصفرّ ثم صار حصيدا، أي كأن الإنسان لم يعش في هذه الدنيا إلا ساعة، إنه الموت، وقيل إن من لا يعمل هو شاذ بحكم الفطرة، وهؤلاء المتعطلون بالوراثة لا مكان لهم في المجتمع، هم كالطفيليات على دماء البشرية، ويمتصون ما لا حق لهم في امتصاصه، فكيف إذا أراقوه فغدوا بين كؤوس الخمر وأفخاذ النساء وموائد القمار؟ ونقول إنه لا مكان لهؤلاء في الإسلام قبل وبعد ذلك، ولا في مجتمع ينشد الرقي والمجد، فإنه يجب رد هؤلاء وأمثالهم إلى حظيرة الصواب، أو إزالتهم من الطريق لأنهم حجر عثرة في سبيل النهوض والتطور، وهم قذى في العيون، فهل من مجيب؟ فإنه بالنظر والتأمل في الزراعة والمزروعات، وما يتعلق بها. 

نجد أن الزرع لا ينبت ولا ينمو إلا بما يقدره الله تعالى له من إنزال الغيث وسقي الأرض، وقد أمر الله سبحانه وتعالى البشر بالسعي والتنقيب في الأرض لإخراج ما فيها من خيرات عن طريق الزراعة وغيرها فقال تعالي في سورة الملك " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" ثم جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي المبينة المفسرة لمراد القرآن لتحث المسلمين على الزراعة وبيان منافعها، من ذلك قوله "اطلبوا الرزق تحت خبايا الأرض" قال ابن طاهر المقدسي هذا الحديث لا أصل له من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عبدالرحمن النسائي "وهو حديث منكر، وقد رُوي من قول عروة، وقوله أيضا " الزارع يتاجر مع ربه" وقال الزيلعي في كتاب نصب الراية أنه غريب جدا، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ترك الأرض بورا دون زرع.
 

فقال "من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه" وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزارع لا يجني ثمار عمله في الدنيا فقط، وإنما زراعته وسيلة تقرب إلى الله، كما يتقرب الغني بماله، فقال "ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" وحذر من التهاون في أمر الزراعة بقوله "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها؛ فله بذلك أجر" وقال "من غرس غرسا، كتب الله عز وجل له من الأجر بقدر ما يخرج من ثمار ذلك الغرس" وقال "من نصب شجرة، فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر، كان له في كل شيء يصاب من ثمرتها صدقة عند الله عز وجل" فالإنتاج في رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن ينقطع، والعمل ينبغي ألا يتوقف، حتى ولو بسبب اليأس من النتيجة. 

أي قبل قيام الساعة بلحظة، كما وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العمل في الزراعة قد يكون مكفرا للذنوب، فقال "من بات كالا من عمل يده، أمسى مغفورا له" وإن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا السعي في طلب الرزق" وأن الزارع هو الله سبحانه وتعالى كما قال عز وجل " أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونة أم نحن الزارعون" ويقول السعدي رحمه الله في تفسيره " أأنتم تزرعونة أم نحن الزارعون" أي أأنتم أخرجتموه نباتا من الأرض؟ أم أنتم الذين نميتموه؟ أم أنتم الذين أخرجتم سُنبله وثمره حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا؟ أم الله الذي انفرد بذلك وحده، وأنعم به عليكم؟ وأنتم غاية ما تفعلون أن تحرثوا الأرض وتشقوها وتلقوا فيها البذر، ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك، ولا قدرة لكم على أكثر من ذلك ومع ذلك، فنبّههم على أن ذلك الحرث مُعرض للأخطار لولا حفظ الله وإبقاؤه لكم بُلغة ومتاعا إلى حين.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية