مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :Heba عدد المشاهدات : 287 مشاهدات
الإمام ابن جهور
بقلم / محمـــد الدكـــروري
أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور هو أحد وزراء الدولة الأموية في الأندلس وأول حكام طائفة قرطبة، ويعود أصل الأسرة في الأندلس إلى بني أبي عبدة، وهو أحد أعوان عبد الرحمن الداخل مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وكان دخوله الأندلس عام مائة وثلاثة عشر من الهجرة، واستعمله عبد الرحمن الداخل على إشبيلية فقضى على ثورة العلاء بن المغيث الجذامي في باجة، ثم حكم غرب الأندلس كله خمسة أعوام وقد تعاقب نسل حسان شأنهم في ذلك شأن أبناء الأمويين على مناصب الدولة العليا كالقيادة والوزارة والكتابة والحجابة طوال حقبة الحكم الأموي، وولد أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور بن عبيد الله بن محمد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافر بن يوسف بن بخت بن أبي عبدة في الأول من المحرم عام ثلاثمائة وأربعة وستين من الهجرة، لأسرة من أعرق البيوتات القرطبية، فجده الداخل إلى الأندلس يوسف بن بخت مولى عبد الملك بن مروان.
كان في طالعة بلج بن بشر القشيري، وكان من أنصار عبد الرحمن الداخل الذي ولاه الحجابة، كما ولاه هشام الرضا قيادة الجيوش ومن بعد ابن بخت تولى العديد من أبنائه مناصب الوزارة والقيادة في عهد أمراء بني أمية وخلفائهم، ومن بعدهم للعامريين المتغلبين على أمر الخلافة وكان أول أمر أبو الحزم جهور توليه منصب الكاتب لعبد الرحمن المنصور الذي كان عهده بداية لاندلاع فتنة الأندلس، كما تولى أبو الحزم بعد الوزارة لعلي بن حمود لفترة قبل أن ينقلب عليه ويعتقله ويصادر أمواله، وقاد أبو الحزم ثورة القرطبيين على سيطرة البربر أثناء خلافة علي بن حمود الثانية، وطردوهم من قرطبة في شهر المحرم عام ربعمائة وسبعة عشر من الهجرة، ثم تزعمهم في قرارهم برد أمر الخلافة لبني أمية، ومبايعة هشام بن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر في ربيع الأول عام ربعمائة وثماني عشر من الهجرة.
وبعد مقدم المعتد بالله من ألبونت إلى قرطبة في أواخر عام ربعمائة وعشرين من الهجرة، حكم المعتد قرطبة لعامين، أساء فيهما السيرة، فغضب أهل قرطبة وقرروا خلعه، ففر منها في شهر ذو القعدة لعام ربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة، وقرر القرطبيون إلغاء الخلافة وإجلاء الأمويين عن المدينة، واختارت الجماعة في قرطبة ابن جهور، للحكم ولكن لم ينفرد أبو الحزم بالرياسة، وإنما جمع حوله صفوة الزعماء والقادة، يستشيرهم ويتحدث باسمهم، ويرجع إليهم في الأمور، ويصدر القرارات باسمهم في نظام أقرب ما يكون للنظام الجمهوري وبعد أن تولى أبو الحزم أمر قرطبة، لم ينتقل من داره إلى قصور الخلفاء، ولم يتخذ من مظاهر الملك أو يتلقب بألقاب الخلافة أو يُجري رسوم الملك، وجعل أبو الحزم همه الأول الأمن لما ألمّ بقرطبة من أهوال من هجمات البربر أثناء فترة الفتنة، ففرق السلاح في أهل الأسواق وعلى البيوت.
حتى فاجئهم أمر تمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، واهتم بالقضاء، وحفظ الأموال العامة التي خصص لها من يحفظها، وأشرف عليهم بنفسه كما عمل على تنشيط الحالة الاقتصادية عن طريق توزيع المال على التجار ليتاجروا به، ويتحصلون منه على الربح ويكون رأس المال للدولة، فازدهرت الأسواق ونمت الموارد، وكان على رأس هذه الأسرة بنو جهور في أواخر أيام العامريين، وقبيل الفتنة، وقد دمرت الفتنة التي دامت أكثر من اثنين وعشرين عاما قرطبة بعدما أصبحت ميدان حرب بين القوى المتصارعة على حكم الأندلس من بربر وعبيد صقالبة وعامة قرطبيين، وقد نصبت كل منها أحد الأمويين خليفة كي تحكم الأندلس باسمه، ولكن أهل قرطبة وضعوا حدا لهذه الفتنة بخلع آخر خليفة أموي في الثاني عشر من شهر ذي الحجة لعام ربعمائة واثنثن وعشرين من الهجرة، الموافق التاسع والعشرين من تشرين الثاني لعام ألف وواحد وثلاثين من الميلاد.
ورأت مشيخة الجماعة فيها أن أبا الحزم جهور بمؤهلاته ومكانته هو الملائم لحكمها فعرضوا عليه الإمرة فقبلها شريطة مشاركة ابني عمه محمد بن عباس وعبد العزيز بن حسن فيها، فوافقوا وخلعوا من دونهم من الرؤساء في المدينة، وقامت بذلك في الأندلس طائفة جديدة حملت اسم المؤسس جهور، وأقام أبو الحزم جهور نظام حكم متميزا عن أنظمة دول الطوائف الأخرى، ولذلك لم يعد حكمه انفصالا عن الخلافة الأندلسية، وعد أبو الحزم نفسه ممسكا بالوضع حيث يجمع الأندلسيون على خليفة، وتدليلا على ذلك لم ينتقل إلى قصور الخلافة ولا صلى في مقصورة الخلفاء بالمسجد، وعلى صعيد الممارسة للسلطة، كان يشاور المشيخة في كل أمر جليل قبل إبرامه، وجعل المال المجبى بيد ثقات الموظفين ينفق منه على الضرورات بمعرفتهم ويحفظ ما تبقى لديهم، وجعل أبو الحزم لنفسه وللوزراء مبلغا معينا يتقاضونه في كل شهر من بيت المال لا حق لهم في تخطيه، ويقوم هو بالإشراف على عملهم.