عصر الانترنت

بتاريخ :الاثنين 06 يونيو 2022

الناشر :Heba   عدد المشاهدات : 131 مشاهدات

عصر الإنترنت 
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونحن نعيش في هذا العصر انفتاحا عالميا، وثورة معلوماتية، وتقنيات حديثة لها آثار خطيرة على شبابنا وفتياتنا الذين هم عماد الأمة وسبيل نهضتها وهم زينة حاضرها وأمل مستقبلها، ولذا وجّه الأعداء لهم سهامهم ورموهم بِها، وحاولوا تضليلهم وإغراءهم عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وأخطرها وأكثرها ضررا الإنترنت الذي يبثون من خلاله ما يشاءون، ويشوهون صورة الخير وأهل الخير، ويدسون السم بالدسم، ولقد أصبح الإنترنت شرا مستطيرا وبلاء خطيرا ووسيلة لهدم الدين والأخلاق والقيم, ولقد ضيّع أوقات كثير من الشباب والفتيات ونقلهم إلى عالم افتراضي يدعو إلى الفوضى والانحلال، والبعض لا يدركون عواقب الأمور ومصيرها ولذا فمعظم المستخدمين له من فئة الشباب والفتيات، يرون أن في الإنترنت وسيلة للهرب من المشاكل اليومية، وأصبحت إغراءات الألعاب الإلكترونية وتصفح الإنترنت لأبناء هذا الجيل لا تقاوم.

وقد تصل بالفعل إلى حد الإدمان، وقد ثبت من خلال دراسات كثيرة أن خطر الإنترنت أشد على بعض الفئات من خطر الحروب والكوارث لأن العدو في الحروب واضح ظاهر يقاوم بكل وسيلة متاحة، أما خطر الإنترنت فيكمن في كون العدو خفيّا غير معروف، ولذا يصل إلى مبتغاه دون مقاومة تذكر، ولقد تحولت شبكة الإنترنت إلى ساحة فيها معركة شرسة تستهدف أجيال الغد في نشر الإباحية وإفساد العقيدة, ولقد أفسدت بعض المواقع في هذه الشبكة في وقت قصير ما لم تفسده بعض القنوات الفضائية في سنوات، فإن أعداءنا يحاربوننا ويحاولون تغيير الثوابت والعقيدة الصحيحة عند أبناء المسلمين، ولقد كان الطفل المسلم ينشأ في المجتمع الأول وسط مجموعة تدين لله تعالى بالاستقامة، فيرى قدوات أكثر من الكلام، ولكن الآن الطفل لو حصل على شيء منا سيحصل على توجيهات وكلام، لكن القدوة قليلة، ولذلك لا ينشأ أولادنا في استقامة كبيرة.

ولا ينشئون في نفسيات إسلامية ونشأة صحيحة بسبب أن الوسط الذي هم فيه مثل البيئة في البيت وفي المدرسة وفي الشارع لا تساعد على الاستقامة، ولكن الآن البيئة تساعد على الانحراف، فإذا ذهب ولدك على المدرسة، وكنت ممن يخشى ستضع يدك على قلبك وتقول الله يستر، الولد بماذا سيرجع اليوم؟ وأي بلية سيعود بها، فلابد أن ندرك الفرق بين البيئة التي يعيش فيها الولد الآن والبيئة التي كان يعيش فيها الولد أيام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فكان ابن عباس غلام صغير، قال "بتُ عند خالتى ميمونة" فانتبه الولد في الليل فوجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام وتوضأ وقام يصلي الليل، فقال ابن عباس وهو الولد الصغير ولكن عنده قدرة على المحاكاة والاتباع، فقام وتوضأ مثلما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وقام عن يساره، فأداره فجعله عن يمينه، وإذا نعس أخذ بأذنه، فصلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم. 

فنشأ الولد من صغره على قضية قيام الليل لأنه رأى نموذج واقعي بدون تمثيليات وبدون إملاءات وكلام، وإنما رأى عملا أمامه، فقلده وحاكاه، والنبي صلى الله عليه وسلم انتهز فرصة أن ابن عباس رضى الله عنهما وراءه ذات يوم، فقال" يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" وقال صلى الله عليه وسلم له "وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" رواه أحمد، فهى عبارات قصيرة معانيها عظيمة فهذا هو التوحيد في نفس الولد، وتعلقه بالله عز وجل، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، ولكن الآن في بعض البلدان يضعون حول رقبة الولد تمائم وخرزات، ويعلمون الولد إن هذه التميمة أو هذا الخرز تقيك من الشرور ومن العين ومن الحسد ومن الضرر ومن الأذى ومن المرض، فبدلا من أن يتعلق بالله يتعلق بالتمائم. 

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لابن عباس "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " رواه الترمذى، فلا بد أن نربي التقوى في نفوس الأطفال، وعلى قصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع المرأة وإناء اللبن، لما استند عمر بن الخطاب وهو يعُس في الليل على المسلمين، يسهر على حمايتهم، سبحان الله يعُس الشوارع في الليل، في النهار يجلس لهم وفي الليل يسهر عليهم، فاتكأ إلى جدار ليرتاح فسمع امرأة تقول لابنتها قومي إلى هذا اللبن بالماء، فقالت البنت ألم تعلمي أن عمر بن الخطاب الخليفة نهى عن ذلك، قالت إن عمر لا يرانا، وما يدري عمر أننا خلطنا اللبن بالماء، قالت إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، هذه البنت المؤمنة، مباشرة عمر رجع وخطبها لابنه، خطب البنت لابنه، فهذه كانت جدة عمر بن عبد العزيز، وهكذا لما خرج عبد الله بن عمر، وآل عمر كان عندهم مراقبة الله عظيمة. 

فقد خرج عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى البر يوما فرأى راعي غنم، فقال أعطني شاة، قال ليست ملكا لي، أنا عبد عند سيدي وموكل عليها في الرعي أمانة عندي، قال قل لسيدك أكلها الذئب، قال الراعي فأين الله؟عبد الله بن عمر أراد يختبر العبد، قال قل لسيدك أكلها الذئب، قال العبد فأين الله؟ فبكى عبد الله بن عمر، وأعتقه، واشترى له الغنم ووهبها إياه، وقال كلمتك أعتقتك في الدنيا، وأرجو أن تعتقك عند الله يوم القيامة، فمثل هذه القصص لو أنك قصصتها قبل النوم على أولادك، مثل قصة عمر، وقصة عبد الله بن عمر، كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربي الأولاد على التقوى، معروف أن آل البيت لا تحل لهم الصدقة، لهم من الخمس من مصارف بيت المال يأخذونه، فكان هناك تمرة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم جاء الحسن بن علي وهو غلام صغير فأخذ التمرة ليأكلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "كخ كخ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة" رواه البخارى ومسلم. 

وهكذا تقوم بتعليم الولد من الصغر قضية التقوى، وأن هذا المال ما دام لا يجوز لك فلا تأكله، وربيه أيضا على قضية التورع مما لا يجوز، وإن كان الإنترنت هذا الخطر الملعون على الجميع، فيجب علينا أن نحارب هذا الخطر وأن نحذر منه، فلا يستخدمه إلا العقلاء الذين لا يستخدمونه إلا فيما يعود بالنفع عليهم ومجتمعاتهم، فإن هناك أمور دعت إلى هذا السقوط في الهاوية، وعلاجها عكسها، وهو ضعف الوازع الديني لدى الأبناء وبعض الآباء، ولو خافوا الله لكفوا عن كثير من ذلك، وأيضا عدم تقدير حجم الضرر الناتج من ذلك، أو الجهل به، وكذلك ضعف الرقيب، فالأب ضعيف الشخصية لا يستطيع منع أبنائه عن هذه الترهات، وسبب ضعفه هو سوء التربية، أو الخطأ فيها، فبعض الآباء يربي ابنه وكأنه يعيش قبل خمسين سنة، ولا يراعي تغير الزمن والحوادث، والبعض الآخر يمنح ابنه الثقة العمياء.

والبعض منهم يقول لا أستطيع أن أمنعه من كل رغباته، ويجب أن أكون معه متفاهما، فلا أجبره على شيء لا يرغب فيه، ولا أنهاه عن شيء يرغب فيه حتى يكون هو نفسه يأتمر أو ينتهي، وأقول إن هذا جيد ولكن وسط ضوابط وشروط أهمها، هو عدم تعميم القاعدة على كل مسألة، فإن بعض المسائل لا تقبل هذا البته، بل يجب الحزم والمنع، أرأيت لو أن ابنك أراد تعاطي السم أكنت تاركه إن لم يقتنع بأضراره، فهذه الوسائل أشد فتكا وضررا به لو تعلمون، وكذلك إهمال الابن في سن الصغر، ثم إذا راهق الابن جاء الأب ليربي، وعندئذ يخسر الأب كثيرا، وكذلك غفلة كثير من المربين من معلمين ومرشدين ومديرين عن توعية أبناء المسلمين في ذلك، فإن دور المدرسة يجب أن يفعل في ذلك، فالمدرسة في هذه الأيام يجب أن تركز على التربية أكثر من تركيزها على التعليم، وإن من الأسباب هو الجهل المفرط بالواقع الذي نعيشه.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية