مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :Heba عدد المشاهدات : 152 مشاهدات
الدكروري يكتب عن الدين والإنسان " جزء 5"
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ومن إحدى أبسط أشكال جبر الخواطر هو الدعاء في الخفاء، وهو ليس الأبسط بل والأسرع بإذن الله في جبر الخاطر من يدعى له وأيضا الداعي، لأن الملائكة تردد الدعاء بقولها ولك المثل، وتوجد الكثير من القصص التي تُحكى أن الله سبحانه وتعالى أجبر بخاطر من يقوم بالمساعدة في نفس التوقيت، فإن جبر الخواطر عبادة يسيرة، ليس شرطا أن تبذل فيها مالا، أوجهدا، فيمكن أن تتحقق بابتسامة، أو مسحة على رأس يتيم، أو إماطة أذى، أو تواضع مع الغير ورفع الحرج عنهم وهكذا، وإن جبر الخواطر من أعظم العبادات إلى الله عز وجل لذا كان من ثواب فاعلها أن يكافئه الله عز وجل بجبر خاطره، ويكفيه شر المخاطر، وأن جبر الخواطر قيمة أخلاقية عظيمة، وهذه القيمة الأخلاقية لها صور عديدة، أعلاها صلة الأرحام التى حضنا الشارع على صلتها فقال تعالى "والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل" وقول النبى صلى الله عليه وسلم.
"من أراد أن يبارك له فى رزقه وفى عمره، فليصل رحمه" وبالذات فى الطبقات الأولى، مثل الوالدين والأولاد، والأخوة، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وأولادهم، والحذر من الجفاء عنهم، لأن الله تعالى حذر فى القرآن الكريم فقال تعالى "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم" ومن جبر الخواطر أيضا، هو صلة الجيران، لأن وصية الجار من وصايا القرآن الكريم، فقال الله تعالى "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب" ويقول النبى صلى الله عليه وسلم "مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" ثم جبر الخواطر، لها شرائح أخرى فى المجتمع، يجب أن نصلهم، ومنها العلماء وقراء القرآن الكريم، والدعاة، وبعد ذلك المسارعة والمنافسة فى مواساة ذوى الحاجات من الفقراء والمساكين.
فكان النبى صلى الله عليه وسلم، أجود الناس وأجود ما يكون فى رمضان، حين يلقاه جبريل عليه السلام، فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وهذا وصف عبدالله بن عباس رضى الله عنهما له، وأيضا من جبر الخواطر، التخفيف عن ذوى الحاجات، ويدخل أيضا فى تفطير الصائم بقوله صلى الله عليه وسلم "من فطر صائما كان له مثل أجر الصائم، من غير أن ينقص من أجره شيئا" والمراد بتفطير الصائم، ليس بالولائم والعزائم كما يظن البعض، ولكن يمكن على شربة ماء أو مزقة لبن أو تمرات أو عجوة، فإن لم يجد فعلى عصير أو ماء وهكذا، ومن القصص واقعية عن جبر الخواطر، وهى من القصص المؤثرة التي تترك تأثير كبيرا في القلب حال رجل بسيط كان يشعر بالضيق بسبب المعيشة التي أصبحت صعبة ولديه مسئوليات كبيرة، ولكنه وجد رجل أفقر إلى الله وساعده بما يستطيع وهو يعلم أن الله كريم.
ومساء ذات اليوم أرسل الله له مال مكافأة من وظيفته، فعند سماع تلك القصص يشعر الإنسان أن جبر الخواطر هو فعل صادر من العبد إلى الله فقط، فهو فعل تقوم به وإذ تجد مردود هذا الفعل في نفس التوقيت، وهنا تتجلى عظمة وكرم الله سبحانه وتعالى في جبر خواطر العباد الطيبين الذين لديهم رحمة في قلوبهم بغيرهم، وإن من أفضل صور جبر الخواطر هى مساعدة الناس في الأمور الشاقة التي يقوموا بها، فهناك قصة عن حياة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فقيل أنه كان يزور أبو بكر الصديق سيدة مسنة ضريرة لا ترى، كان يساعدها في الأعمال المنزلية ولكنها لم تكن تعلم بأنه أبو بكر الصديق، وأحتفظ أبو بكر بهذا العمل إلى أن راءه رفيق له، وأن من باب جبر الخواطر كذلك، الحفاظ على العلاقات الاجتماعية، فيا حبذا لو أن المسلمين لهم زملاء أو جيران، من أهل الكتاب، تم تبادل التهانى فى مناسباتهم الاجتماعية.
ويعظم أجر هذه العبادة إذا ما أقترنت بالتكافل وتقديم الطعام، فقال الإمام الحسن رضى الله عنه كثرة اللقم تدفع النقم، فإطعام الطعام من القربات العليا، فإذا أمسكنا بكتاب الله عز وجل، نجد أن أغلب الآيات تدعونا إلى جبر الخواطر، وحينما غرق ابن نبى الله نوح عليه السلام، جبر الله تعالى بخاطره، بقوله تعالى "فحال بينهما الموج فكان من المغرقين" فجبر الله خاطر نبى الله نوح عليه السلام، وجبر الله خاطر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بقوله تعالى " فلنولينك قبلة ترضاها" ولم يقل "نرضاها" ولا ننسى حين قدوم النبى صلى الله عليه وسلم، من الطائف، بعد أن سخروا منه، رجع وقلبه مليء بالحزن والهم، لأن السيدة خديجة رضى الله عنها انتقلت للرفيق الأعلى، وجاءت لحظات صعبة شديدة على النبى صلى الله عليه وسلم، شعر فيها بالمرارة والحزن الشديد والهجر والحرمان، ولكنه كان واثقا فى حب الله تعالى له.
وأنه سيجبر خاطره، فإذا بجبريل عليه السلام يوقظه من نومه، ويأمر البراق، بأن تمطى للنبى صلى الله عليه وسلم، وقال له اثبت يا براق، لم يعتل ظهرك أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم، فهو جبر خاطر من الله بهذه الرحلة المباركة، بل الأكثر من ذلك، أنه صلى بكل الأنبياء وهم ألوف، والكل يشكو حاله ولكن النبى صلى الله عليه وسلم، يحمل لواءهم، ثم يصعد لرب السماء بعد طول معاناة، أليس أجمل من هذا فى جبر الخواطر، وإن السمع كثيرا عن جبر الخواطر، ولا نتحسس معناها ولا ندرك أثرها على الغير، على الرغم ما لهذه الشعيرة الإيمانية التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، لما لها من عظيم الأثر على نفوس الناس، فكم منا من يطير فرحا إذا ابتسم أحد الناس في وجهه، وكم منا من لا تسعه السعادة إذا سمع كلمة تشجيع أو استحسان من غيره، فما بالنا بأثر ذلك على أصحاب الحاجات أو الأيتام، أو الفقراء والمساكين؟