الدكرورى يكتب عن المرء والمبادئ الإسلامية "الجزء الاول"

بتاريخ :الخميس 09 يونيو 2022

الناشر :Heba   عدد المشاهدات : 118 مشاهدات

الدكروري يكتب عن المرء والمبادئ الإسلامية "جزء 1"
بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد جاء الإسلام رسالة إنسانية عالمية لكل الناس، وليس للعرب وحدهم، ومع أنهم طليعة الدعوة، بل هم فيه سواء مع كل الناس، وقد تحدد مكانتهم بالتقوى، وما يبذلونه في سبيل هذا الدين الذي شرّفهم الله تعالى به، ولقد عُني الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه، وإن المرء الذي ينشأ منذ نعومة أظفاره على هذه المبادئ الإسلامية والأخلاق الإيمانية أنى له أن يعتدي وأنى له أن يسرق إلا من شذ؟ وفي معركة القادسية حين فتح المسلمون بلاد فارس، بعث القادة العسكريون بغنائم هذه البلاد إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما نثرت بين يديه ورأى ما فيها من غنائم نفيسة، التي كان من بينها سوار كسرى، أعجب بأمانة قادته وجيشه، فقال إن قوما أدّوا هذا لأمناء، وكان الإمام علي رضي الله عنه حاضرا، فقال يخاطب عمر رضي الله عنه "عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعوا" وإن من مفاخر هذا الدين في هذا الباب. 

أن عدد الأيدي التي قطعت طوال الفترة التي طبقت فيها التعاليم الإسلامية، كانت ست أيدى، وإن الإسلام كفل لكل فرد من أفراد المجتمع ما يكفيه، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، وقد كفل عمر بن الخطاب لكل مولود ما يكفيه من بيت المال، كما كفل لكل فرد غير قادر ما يحتاج إليه هو وأسرته، وقد وجد عمر يهوديا ضريرا يسأل الناس، وحين سأله لماذا تفعل هذا؟ قال اليهودي الحاجة والجزية، فأخذ عمر بيده، وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين، وقال انظر هذا وضرباءه فأعطى لهم ما يكفيهم، ثم قال ما أنصفنا هذا وضرباءه إن أخذنا شبيبته وتركناه عند الكبر، وقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة وهو عامله بالبصرة  قائلا "وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وزالت عنه المكاسب، فأجرى عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه فقد بلغني أن عمر بن الخطاب مر بشيخ من أهل الذمة يسأل.

فقال له ما أنصفناك إن أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك عند الكبر، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه" ومن هنا، فإن السارق بعد ذلك يعتبر خائنا، والسارق الخائن لا بد وأن يلقى جزاءه، وجزاء اليد التي تخون قطعها كما قضى بذلك رب العزة، والحد في الإسلام مقصود به الزجر والإصلاح واستقرار المجتمع والأمان، ولو أن علماء النفس في مجتمعاتنا المعاصرة قاموا بالدراسات الكاملة لنفسية الإنسان وعقليته وصالح الجماعات، لوجدوا أن الحدود هي أعدل العقوبات، ومن الطرائف التي تروى في هذا الصدد أن أبا العلاء المعري لفت نظره الفرق بين دية اليد والمبلغ الذي تقطع فيه، فقال يد بخمس مئين عسجد وُديت، ما بالها قطعت في ربع دينار؟ فأجابه القاضي عبدالوهاب المالكي إجابة تدل على الفهم العميق لحكمة الإسلام، قائلا عز الأمانة أغلاها وأرخصها، ذل الخيانة فافهم حكمة الباري، وعلى أن ظروف الجريمة. 

قد تدعو للنظر في إقامة الحد، وذلك إذا كان السارق مضطرا إلى السرقة ولذلك فإن عمر بن الخطاب لم يقطع غلمان حاطب بن بلتعة الذين سرقوا ناقة لرجل من مُزينة إذ إن عمر أدرك علة الحكم، وفهم حكمته، وشروط تطبيقه، والقاعدة الفقهية المعروفة الضرورات تبيح المحظورات باقية، ولم يكتفى عمر بعدم القطع، بل قال يخاطب عبدالرحمن بن حاطب "والله، لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم يجد ما حرّم الله عليه لأكله، لقطعت أيديهم، ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك"، وغرّمه ضعف ثمن الناقة تأديبا له، كما أن الظروف العامة إذا كانت غير كافية لإعطاء كل فرد من أفراد المجتمع كفايتَه، فإن هذا يدخل في الباب السابق، ولذلك أوقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه حد السرقة في عام المجاعة لاضطرار الناس إلى ذلك، والمجتمعات الحديثة المتحضرة لا زالت تتخبط في تقنين العقوبة المناسبة للسرقة. 

ذلك لأن التشريع البشري يتأثر بأشياء كثيرة، أما التشريع الإلهي، فهو ثابت لا يتأثر بشيء، وقطع يد السارق يعني تعطيل أداة رئيسية من أدوات الجريمة، وتجريده من سلاح العدوان والمقاومة، إذا أضيف إليه ما يُحدث قطعها من تنبيه وتحذير، ومعنى السرقة الأخذ عن طريق الاستخفاء، والمال في حرز، وقدره عشرة دراهم أو ربع دينار، وإذا كان السارق يريد زيادة الكسب عن طريق حرام، فإن قطع اليد لازم لأنه سيمنعه من ذلك، وكان أول ما أخذ النبى صلى الله عليه وسلم العهد على أصحابه في بيعة العقبة وهم في مةة، وكان المسلمون في حال الاختفاء، على "ألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا" فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم العهد على الرجال بعدم السرقة، وعلى النساء أخذ العهد أيضا بنص كتاب الله تعالى.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية