الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 5"

بتاريخ :السبت 11 يونيو 2022

الناشر :Heba   عدد المشاهدات : 133 مشاهدات

الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 5"
بقلم / محمـــد الدكـــروري

وتشير رنا قباني أن سبب نقد مثقفي العباسيين كالمسعودي وابن حاتم لهذا التيار الأدبي، يعود لانتشاره في أوساط العامة، ولتركيزه على اهتماماتهم فيغلب على قصصه تناول جمال النساء ومكرهن وخبثهن، والإشارة إلى البذخ والثروات الطائلة فهو أدب موجه أساسا لجمهور ذكوري وفقير إلى جانب هذا النوع من الأدب انتشر في العصر العباسي أدب الرحلات، وأقبل الناس على هذا النوع الأدبي، لما تضمنه من معلومات عن أقطار الدولة البعيدة، أو حتى تلك التي تقع في الصين أو الهند، لمعرفة طرق حياتهم، ومن كتاب أدب الرحلات الإدريسي الذي كتب عن جنوب شرق آسيا في القرن الثاني عشر، ولم يكن أدب الرحلات دومًا أدبا علميا دقيقا فأدخلت عليه الأساطير والمبالغات التي استسيغت في المجتمع كأسطورة بلاد الواق واق، والتي ذكر عنها ابن خرداذبة في القرن التاسع أنها كثيرة الذهب، حتى إن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم، وأطواق قرودهم من الذهب. 

وكما شهد العصر العباسي تطورا هاما في بنية اللغة العربية إن أغلب الباحثين ينسبون نشأة النحو العربي إلى أبي الأسود الدؤلي، الذي كان أيضا أول من وضع النقاط على الحروف في الأبحدية العربية، غير أن التطور الهام للغة إنما تم خلال المراحل اللاحقة للدؤلي، خصوصا في العصر العباسي حيث اشتهر فيه أبرز النحاة، كعيسى بن عمر الثقفي، وأبي عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، وسيبويه الملقب بإمام العربية، ويونس بن حبيب، والكسائي مؤسس مدرسة الكوفة في النحو، والأصمعي والزمخشري، وغيرهم وخلال هذا العصر، أعيد ترتيب الأبجدية بالشكل المتعارف عليه اليوم، بعد أن كانت مرتبة وفق الترتيب التقليدي للغات السامية، وكما ظهر التشكيل بالشكل المتعارف عليه اليوم، وذلك على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي سوى ذلك فإن اختلاط العرب بالشعوب غير العربية، والتفاعل الحضاري بين هذه الشعوب، أدى إلى دخول العديد من المصطلحات غير العربية إلى هذه اللغة. 

ومنها كلمة بيمارستان الفارسية الأصل، والتي تعني المستشفى، وكلمة عمق العربية المنحوتة من فعل عمقو في السريانية، بل إن ازدهار العلوم وتطور الآداب دفع إلى ظهور مصطلحات جديدة، كالجوهر والحد والجبر والعنصر والترياق وسواها، ما دفع البحتري للقول أراكم تتكلمون بكلامنا، في كلامنا، بما ليس في كلامنا وهو ما دفع أيضا إلى ظهور المعاجم والقواميس الخاصة باللغة العربية، مستندة إلى القرآن والشعر الجاهلي بشكل رئيسي، وكان الخليل بن أحمد أول من جمع قاموسا سماه العين، على أن القواميس اللاحقة قد نالت شهرة أكبر، ولاتزال مستعملة حتى اليوم كلسان العرب لمؤلفه ابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وقد أدى هذا الاختلاط أيضا، وبشكل تدريجي، إلى نشوء اللهجات المحلية في العربية، خصوصا خلال عهد الدولة المتأخر، ويعود سبب نشوء اللهجات واختلافها إلى اللغات التي كانت سائدة من قبل فتأثرت اللهجات الشامية والعراقية بالسريانية. 

واللهجة المصرية بالقبطية، أما لهجات المغرب العربي فقد تأثرت باللغتين الأمازيغية والبريرية، وكما اهتم العباسيون خلال عهود قوتهم بالناحية العمرانية عناية واضحة فأنشؤوا عددا من المدن الجديدة برمتها، ولعل أشهرها عاصمة الدولة بغداد ومن المدن الأخرى التي شيدها العباسيون سامراء والمتوكلية في العراق، والرحبة في الجزيرة الفراتية، وغيرها، وكما قام العباسيون بإنشاء شبكة واسعة من الطرق والجسور، خصوصا في العراق حاضرة الخلافة، وشيدوا المدارس والجامعات والمستشفيات والحمامات العامة في المدن الكبرى، وقد ذكر المؤرخ ابن جبير أن مدينة دمشق وحدها تحوي أكثر من مائة حمام، إضافة إلى التكايا التي تستضيف الفقراء، والفنادق المخصصة لاستقبال الغرباء عن المدينة، كما قام العباسيون بتزويد الطرق العامة، سواء في المدن أو خارجها، بصنابير المياه، حتى يستطيع عابر السبيل أن يرتوي من الطريق مباشرة.

وكما تأثر فن العمارة العباسية بالعمارة العراقية القديمة، خصوصا الأشورية، وكذلك العمارة الفارسية ولعل تصميم بغداد بشكل دائري له أربعة أبواب هو أحد أبرز أوجه التأثر بالعمارة الآشورية إذ إن المدن التي بناها المسلمون سابقا إما مربعة كالقاهرة، أو مستطيلة كالفسطاط، ومن العراق انتقل هذا النمط المعماري عن طريق الولاة والسلاطين إلى مصر وبلاد الشام في حين يشكل استعمال الآجر والطين لبناء القصور بدلا من الحجارة أبرز تأثرات العمارة العباسية بالعمارة الفارسية، خصوصا خلال العهد الساساني، وكما حدث تمازج مع العمارة وفنون الزخرفة التي وصفها عدد من النقاد بأنها لغة الفن الإسلامي، وقد كانت زخرفة المساجد والقصور والقباب الميدان الأساسي لها، بأشكال هندسية أو نباتية عرفتها أوروبا وتعرف اليوم بالزخرفة العربية، وقد انتشر هذا المصطلح في العالم العربي حديثا للإشارة إلى الزخرفة العباسية، على أن جذر الكلمة لغويا يأتي بمعنى التوريق.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية