الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 7" |جريدة الراي

بتاريخ :الأحد 12 يونيو 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 112 مشاهدات


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لذلك فإن تأسيس العلم العربي فعليا يعود للعصر العباسي، معتمدا في البداية على ترجمة أعمال الفلاسفة والعلماء اليونان كأرسطو وأفلاطون، وذلك بدعم من الطبقة الحاكمة، وفي المرحلة الثانية أصبح العلماء العباسيون يضيفون ويبتكرون في العلوم النظرية والتقنية على حد سواء، وخلال تلك المرحلة كان الجهل والأمية متفشيين في أوروبا بشكل مريع، ولولا جهود الخلفاء وحاشيتهم لكان العلم الإغريقي القديم قد اندثر تماما ويقول في هذا الصدد المؤرخ الفرنسي لومبارد في كتابه الإسلام في فجر عظمته، الصادر عام ألف وتسعمائة وثلاث وسبعين ميلادي، إنه بينما نسيت أوروبا العلوم، ظل العرب في جامعاتهم يدرسون إقليدس، وفيزياء العناصر، ومخروطيات أبولونيوس وأرخميدس وبطليموس، ما أدى إلى تحول العربية إلى لغة العلوم العالمية، فأنتج العباسيون علماء في الفلك وعلوم الطبيعة، والفيزياء والطب ورياضياتيين ويصفهم المؤرخ نفسه بأنهم من الطراز الأول.

وقد شاطره ذلك الرأي المؤرخ الفرنسي رونان حيث صرّح إن العلم حقا أحد مؤسسات الحضارة الإسلامية، ولم يقم المحسنون بتشجيعه فقط، بل إن الخلفاء قاموا بتأسيسه وتنميته وتجدر الإشارة إلى أن أمويي الأندلس قد قاموا أيضا بتشجيع العلوم، وعن طريق قرطبة، أكثر مما هو عن طريق بغداد، وانتقلت هذه العلوم نحو أوروبا، باستثناء مرحلة الحروب الصليبية والسفارات المتبادلة قبلها، وقد أسهمت هذه العلوم لدى انتقالها في بناء الحضارة الإنسانية الحديثة ويقول ألكسندر كويريه في هذا الصدد إن العرب في بغداد وقرطبة كانوا معلمي الغرب ومربيه لأنه لم يترجم العرب أعمال اليونان الفلسفية والعلمية إلى العربية وفقط، بل أضافوا إليها مؤلفات برمتها ولأنه لم يكن هناك في الغرب شخص يمكنه أن يفهم كتبا لها صعوبة الفيزياء، أو ماورائيات أرسطو، أو مؤلف بطليموس المجسطي، فاللاتينيون بمعزل عن عون الفارابي وابن سينا وابن رشد. 

بشروحهم وتعليقاتهم على هذه المؤلفات، لم يكونوا ليصلوا يوما إلى فهم تلك الكتب غير أن لومبارد وكويريه، وكذلك جورج مينوا، قد أشاروا إلى انهيار شبه تام للعلوم في الدولة العباسية، منذ القرن العاشر، وذلك لا يعود فقط لتدهور الاستقرار السياسي، وتراجع حال المعيشة، بل لبروز تيارات دينية متشددة، استطاعت السيطرة على القصر، وأثرت على العلوم بشكل سلبي، وأحد هذه التيارات، كما اتفق المؤرخون الثلاثة، المدرسة الحنبلية التي ركزت على سلبية التعاطي مع أي علم أو كتاب غير القرآن والسنة، ونحا بعض علمائها لاعتبار فلسفة ذلك الزمان زندقة، وجاء في إحدى أدبيات الحنابلة لا تفرط في دراسة الكواكب، إلا لمساعدتك على تحديد ساعات الصلاة، لا أكثر من هذا ويضيف كويريه أن الفكر العقلي الجدلي، الذي كان أحد أبرز مميزات الحضارة، قد تراجع مع السلاجقة، واختفى مع الاجتياح المغولي، وبالتالي كف العرب عن البحث والتحديد، واكتفوا بالنقد والتقليد.

وكان من أبرز المنجزات العلمية في العصر العباسي رسم أول خارطة للعالم بأسره، على يد الإدريسي المولود في سنة ألف ومائة ميلادي، وقد ظل كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق كتاب الجغرافيا الأول في الشرق والغرب، ومن العلماء العباسيين البارزين أيضا، ابن الهيثم، المولود عام تسعمائة وخمس وستين ميلادي، والذي ألف مائتي كتاب في الطب والفلسفة والرياضيات والفيزياء، ولعل كتبه حول الأشعة وانكسارها وانعكاسها أبرز ميادين كتابته، وقد حاز مؤلفه المناظر، الذي درس به الأشعة شهرة عالمية، ويعود له أيضا عدد من الابتكارات كصقل العدسات المحدبة والمقعرة، وأيضا عبد الله البتاني، الذي ولد في الرقة وعاش بها عام ثماني مائة وخمسين ميلادي، واشتهر بعلم الرياضيات حيث أكمل تنسيق الزوايا، خصوصا الجيب، وجيب التمام،والظل، وناقش نظريات بطليموس حول الكواكب، وزاد عليها في كتابيه تعديل الكواكب وزيج البتاني. 

وهناك أيضا ابن سينا، المولود في بخارى عام تسعمائة وواحد وثمانين ميلادي، وله مؤلفات في مواضيع شتى أجلها هو القانون في الطب، وهو موسوعة تحتوي خلاصة ما توصل إليه الإنسان في هذا المجال، وقد ظل متداولا ومتدارسا في مختلف أصقاع العالم، حتى القرن السادس عشر، وفي مجال الصيدلة برز ابن البيطار، الذي ولد في الأندلس عام ألف ومائة وسبع وتسعين ميلادي، وطاف أوروبا، واستقر في دمشق إلى أن توفي عام ألف ومائتان وثماني وأربعين ميلادي، وقد أسهمت رحلاته في معرفته أنواع النباتات، وتركيب عقاقير طبية منها، وقد ألف ابن البيطار عددا من الكتب أبرزها كتاب الجامع في المفردات الطبية، ويعتبر من رواد طريقة الاستنباط العلمية، إلى جانب جابر بن حيان، العالم الكيميائي الذي نال دعم هارون الرشيد، وأسس وتلامذته منهج التجربة في العلوم، وهناك أيضا الكندي، وهو من أبرز الفلاسفة، والرازي الذي كان له مؤلفات طبية أبرزها الحاوي.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية