الدكروري يكتب عن تأثيرات العصر العباسي " جزء 9" |جريدة الراي

بتاريخ :الأحد 12 يونيو 2022

الناشر :شريف   عدد المشاهدات : 153 مشاهدات


بقلم / محمـــد الدكـــروري

فالحياة القروية كانت مستقرة ومزدهرة، وكان يعيقها انعدام الأمن، خصوصا خلال عهود ضعف الدولة إذ تعرضت الإقطاعيات للغزو والتخريب، سواء من دول مجاورة أم من قطاع الطرق وقد حاولت الدولة خلال عهد القوة السيطرة على الوضع من خلال توجيهات موسى الهادي وهارون الرشيد، وخلال فترات انعدام الأمن أخذ سكان القرى بالنزوح نحو المدن، ما أثر على الاستقرار الاقتصادي، وأما الصناعة فكانت بجزء منها تعتمد على الزراعة كصناعة السكر المستخرج من قصب السكر، خصوصا في مصر والأحواز، أو صناعة المواد الغذائية من مشتقات الحليب وتسويقها في المدن، أما الصناعات غير المعتمدة على الزراعة، فكان هناك الصناعات الحربية كالسيوف أو نسج الحرير والصوف والكتان وأنواع الأقمشة الأخرى، وازدهرت بنوع خاص حياكة السجاد في إيران وبلاد الشام، وصناعة الزجاج وزخرفته وإنتاجه بأشكال فنية، وصناعة الورق. 

التي انتقلت من الصين إلى بغداد عن طريق سمرقند، على يد يحيى البرمكي، في خلافة هارون الرشيد، والفخاريات والنحاسيات المختلفة، فضلا عن صناعة السفن، ويمكن التمييز بين نوعين من المدن، وهي المدن الكبرى كحلب والقاهرة، والمدن الأصغر حجما وأقل أهمية كطرابلس، أما كبرى المدن فكانت بغداد، وقد وصل عدد سكانها في القرن التاسع إلى مليون نسمة، لتكون أكبر مدينة في العالم وكان السوق في المدن الصغرى مختلطا بجميع أنواع السلع، أما في المدن الكبرى فكان هناك عدة أسواق كسوق الوراقين وسوق النجارين وسوق الخضار وسواها، ويشرف على كل سوق مجموعة من العمال يشرفون على نظافة السوق، والتأكد من عدم غش التجار بالموازين، كما يشرفون على الآداب العامة، مع تخصيص أماكن لبيع الخمور وغيرها من منكرات الشريعة الإسلامية كما نظم عمال الصناعة أنفسهم فيما دعي الطوائف الصناعية، وهي أشبه بالنقابات في عصرنا الحالي. 

ومهامها الحفاظ على حقوق العاملين في المهنة، وتشرف على تعليم الراغبين بامتهانها أصول المهنة ومع تراجع وضع الدولة الاقتصادي ازداد الفقر فازدادت الفاقة، ولم تستطع التكايا المخصصة لرعاية الفقراء من أداء واجباتها كما كانت في السابق وتشير الأدبيات العباسية، بعد القرن التاسع، إلى انتشار الفساد والرشوة حتى في سلك القضاء ومن أسباب الانهيار الاقتصادي تكلفة الحروب المتواصلة، سواء بين السلاجقة أنفسهم أم مع الصليبيين، وسوى ذلك فقد ضرب القحط والجفاف العراق وبلاد الشام فترة طويلة، وزلزلت المنطقة عدة مرات بهزات أرضية، ومحصلة القول إن ضعف الدولة العباسية كان في أحد شقوقه اقتصاديا، وكذلك أيضا هو مساحة الدولة المترامية الأطراف، وتمركزها في قلب العالم القديم، جعل من أراضيها معبرا تجاريا وممرا لقوافل البضائع بين الشرق الأقصى وأوروبا، ولعل طريق الحرير، الذي يعود لفترة ما قبل الميلاد أشهرها. 

وقد اشتهر بتجارة التوابل والعطور، وكذلك الطريق الجنوبي نحو أفريقيا حيث كان التجار يسوقون بضائعهم مقابل الحصول على الذهب الذي اشتهرت به تلك الأصقاع، خصوصا مملكة غانا وقبائل السودان الوثنية، كما نشطت خلال هذا الطريق تجارة الرقيق، وقد ارتبطت الدولة العباسية بعلاقات جيدة مع الممالك المتعاقبة في أثيوبيا حاليا وأشهرها مملكة النوبة، والتي سمحت للعباسيين التنقيب عن الذهب والزمرد في أراضيها، كما كان هناك طريق تجاري بحري يربط البصرة جنوب العراق بالساحل الإيراني، ومنه نحو الهند والصين، وكانت الرحلة به تستغرق ستة أشهر، وكانت الدولة تفرض إتاوات على القوافل، ما أمّن لها قطاعا نقديا ثابتا للخزينة، غير أنه في زمن الخلافة العباسية في القاهرة، اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح، فتحولت مع الاكتشاف الجديد طرق التجارة صوب نصف الكرة الجنوبي، ما أدى، آنذاك، إلى فقدان الدولة موقعها كمتحكم بالطرق التجارية. 

فأدى ذلك إلى زيادة الوضع الاقتصادي، خلال العهد المملوكي، تدهورا، وعموما فإن العهد المملوكي لم يتميز قط بازدهار اقتصادي، ويضرب المؤرخون مثالا على ذلك بأن عدد سكان مصر وبلاد الشام قد انخفض إلى الثلث عما كان الوضع عليه قبل استلام المماليك السلطة، ويعود ذلك بشكل رئيسي للفساد المالي، واحتكار الثروة، والصراعات بين المماليك أنفسهم، علما بأن المماليك قد تمتعوا باستقرار سياسي، بعد هزيمة المغول عام ألف ومائتان وواحد وستين ميلادي، وجلاء الصليبيين عام ألف ومائتان وواحد وتسعين ميلادي، وكانت العملة الرسمية هي الدينار، وهو مطبوع من معدني الذهب والفضة، وكان ولاة الأمر يعمدون إلى خلطه بالقليل من النحاس أو البرونز، بهدف طباعة كميات أكبر من النقد ونظام الضرائب مؤسس وفق الشريعة الإسلامية من خراج وعشور وزكاة، وفي بعض الأحيان كان السلاطين أو الخلفاء يفرضون ضرائب استثنائية لم تنص عليها الشريعة، ما تسبب في اعتراض الفقهاء، ومنها المكوس.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية