الدكروري يكتب عن التحسيس علي المشاعر"جزء 2"

بتاريخ :الخميس 16 يونيو 2022

الناشر :علاء   عدد المشاهدات : 90 مشاهدات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

فكما تحب أن يراعي الناس مشاعرك راعى أيضا مشاعر الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام يراعي مشاعر الطفل، فقد أطال النبي عليه الصلاة والسلام في السجود فخشي الصحابة عليه رضي الله عنهم أن يكون قد حدث للنبي عليه الصلاة والسلام مكروه، فبعضهم رفع رأسه لينظر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا ظنوا أنه قبض ؟؟ فما قام صلى الله عليه وسلم قال لهم إني أطلت السجود على غير عادة لأن "ابني ارتحلني" يعني جعلني كالراحلة وركب على ظهري، قال "فكرهت أن أعجله" وتركته حتى يقضي حاجته" كل هذا محافظة على شعور هذا الطفل الصغير، والطفل الصغير أشد رهافة في أحاسيسه، ولك أن تجرب هذا وتعرض حين يتحدث معك ابنك أو ابن ابنك، فإنك لو أعرضت عنه وهو يحدثك حتما سيأخذ يده وسيجر وجهك إليه يعني يقول لك راعى مشاعري حينما أتكلم معك لا بد أن تنظر إليّ فكلامي ليس بالكلام الهين.

ولذا أحيانا بعض الأسئلة الكبيرة التي هي أكبر من عقله هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة، وإذا كبته فإنما تكبت طموحه، فلا تقل له اسكت يا ولد ليس هذا الوقت وما شاكل ذلك، بل لا بد أن تجيب على هذا التساؤل بقدر عقله، وهكذا أيضا الخادم في البيت، لا بد أن تراعي مشاعره ليس فقط كونه خادما أو كونها خادمة أو كونها تتلقى أجرا فيقول صلى الله عليه وسلم "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين فإنه ولي حره وعلاجه" فهو الذي طبخه بيده، وهو الذي شم رائحته، وهو الذي سال لعابه عليها، فإما أن تجلسه أن كنت من أصحاب المكانة الرفيعة والقلوب الواسعة والصدور الرحبة ليجلس معك خادمك ليأكل، وإلا فليس أقل من أن تأخذ له شيئا من الطعام وتعطيه يأكلها لأنك تأكل وتتنعم وهو ينظر إليك، وهكذا أيضا النبي صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر من يرتكب الذنوب والمعاصي فهذا رجل يشرب الخمر.

وكثيرا ما يؤتى به إلى الرسول صلى الله عليه سلم فيقيم عليه الحد، فقام رجل من الصحابة فقال لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، فتنبه النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الكلام وقال "لا تسبوه لا تلعنوه، والله إنه يحب الله ورسوله" لا تؤذوا مشاعره أبدا حتى ولو كان في هذا الموقف، فعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تلعنوه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله" رواه البخارى، وهذه امرأة تفدي نفسها من أجل إقامة الحد عليها وترجم بالحجارة فيطير من دمها إلى ثوب أحد الصحابة فيلعنها، فيقول صلى الله عليه سلم "كلا، والله لا تلعنوها إنها تابت توبة لو وُزعت على أصحاب المدينة لوسعتهم"

وهذا طبعا أما مراعاة لمشاعرها حيث كانت لا تزال تسمع ولا تزال حية، أو لمشاعر أوليائها من هنا جاء قوله صلى الله عليه سلم "لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" حتى لو كان هذا الميت يستحق اللعنة ويستحق السب، لكن ابنه المسلم بين يديك وابنته بين يديك فلا تؤذي مشاعرهم أبدا، ومن هنا جاء أيضا مراعاة مشاعر المرأة في حال زواجها، فقال صلى الله عليه سلم كما جاء عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأيم تستأمر فى نفسها، والبكر لا تنكح إلا بإذنها" قالوا وكيف إذنها؟ قال " أن تسكت" فإن البكر لا تتكلم ولا تنطق من شدة حيائها، كما قال صلى الله عليه وسلم فلا تخدشوا حياءها، فكيف تعرف أنها راضية بهذا الزواج، قال صمتها هو إذنها، فإن الحياء اليوم من الرجال من النساء من الأبكار فضلا عن الثيبات يكاد الحياء ينعدم، ويكاد يُفقد في حياة الناس إلا ما شاء الله تعالى.

فقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات الكريمة التي تؤسس لمكارم الأخلاق، والقيم الراقية ، بل إن هناك سورا كاملة جاءت مؤسسة لمجتمع إنساني راقى، كسورة الحجرات التي أرست مجموعة من القيم والأخلاق ، منها التبين والتثبت في الأمور كلها ، وخاصة إذا كان هذا الأمر يتعلق بشئون الناس، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" فالإسلام يبني كل شيء على اليقين، فهذا نبى الله سليمان عليه السلام حينما جاءه الهدهد بخبر الذين يعبدون الشمس من دون الله، ووصفه بالنبأ اليقين، لم يأخذ كلامه مُسلما وإنما تثبت، وتبين كما حكى القرآن ذلك على لسانه، فقال الله تعالى " قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" ويقول النبى صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية