مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :علاء عدد المشاهدات : 179 مشاهدات
بقلم / محمـــد الدكــروري
بعد وفاة عم النبي أبي طالب وأم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ومع ازدياد إيذاء قريش للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فكر الحبيب صلوات الله وسلامه عليه في الخروج بدعوته إلى مكان جديد، والبحث عن أنصار جدد، فخرج إلى الطائف لينشر دعوته، وكانت المرة الأولى التي يخرج فيها بدعوته إلى خارج مكة، وفي تلك الرحلة القاسية لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم معه أحدا من أصحابه مثل أبو بكر الصديق وغيره حتى لا يلفت إليه الأنظار، بل اصطحب معه رجلا تعود أن يكون معه في أوقات كثيرة حتى لا تشك قريش في تحرك غريب، إنه الصحابي الكريم حِب النبي صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة الذي كان النبي قد تبناه وكان ينادى بزيد ابن محمد ولما نزل تحريم التبني أصبح يدعوه زيد بن حارثة، وكانت مدينة الطائف تمثل بعدا مهما بالنسبة لسادات قريش وكبرائها، حيث إنها كانت مكانا استراتيجيا لهم.
يملكون فيها بيوتا يجعلونها كمصايف لما في طبيعة الطائف من جمال، ولتسييرهم قوافل تجارية إليها في الصيف كذلك، فكانت الطائف منتجع استجمام ومكان تجارة لسادات قريش وتجارها، وبعد أن يأس النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من تكوين دولته في مكَة فقد عزم على دعوة أهل الطائف إلى الإسلام، ولتنشأ في مدينتهم الدولة الإسلامية الحديثة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمل في الطائف وأهلها خيرا حينها، وقد ظن أن أهلها سيُرحبون به ويستقبلونه على خلاف ما فعل أهل مكة، فيكونون نصيرا ومُعينا له في دعوته، ويقوم النبي صلى الله عليه وسلم بالانتقال من دعوته إلى خارج المكان الذي عاش فيه وقد كان ذلك بسبب الأبواب التي أوصدت في وجهه ولم تمكنه من الدعوة في داخل مكة ففكر صلى الله عليه و سلم في الدعوة إلى الله في الطائف لأسباب كثيرة منها أن الطائف هي المدينة الثانية بعد مكة.
وكما أن في الطائف توجد قبيلة ثقيف وهي من أقوى القبائل العربية والتي إن دخلت في الإسلام فستكون قوة كبيرة داعمة للدين في أول طريق الدعوة وأيضا فإن الطائف لم تكن بعيدة عن مكة كثيرا مما يساعد على نشر الدعوة دون فقد العدد الذي آمن مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في مكة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة متجها إلى الطائف سيرا على الأقدام، خوفا من أن تعتقد قريش أنه قد غادر مكة فيتبعونه ويعطلون عليه ما يصبو إليه وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف في شوال من العام العاشر بعد بعثة النبي الكريم صلى الله عليه و سلم، وكان في شوال سنة عشر من النبوة وخرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلا، سارها ماشيا على قدميه جيئة وذهابا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.
ووصل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إلى الطائف وهو يحمل في جعبته لهم الدعوة إلى دين الله الحق، ويحمل إليهم أيضا طلب النصرة فهو يحتاج إلى قوم مثلهم في قوتهم ومكانتهم ليؤازروه وينصرونه في مواجهة كفار مكة، ولما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إحوة ثلاثة أبناء عمرو بن عمير عبد ياليل ومسعود وحبيب وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، وبعدما جلس إليهم ودعاهم إلى الله وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة أي يمزقها إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا غيرك، وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا، إن كنت رسولا لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك.
فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم " إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني " ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف عشرة أيام يدعوهم إلى الله فما قبلوا وما استجابوا لدعوته ثم اجتمع له سفهاؤهم وعبيدهم يطردونه من أرضهم ويرمونه بالحجارة ومولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه يدفع عنه أذاهم قدر استطاعته حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين، وجلس النبى صلى الله عليه وسلم يشكو الى ربه عز وجل حاله قائلا " اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي وأعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"
وفي رحلة الطائف تعرض النبى صلى الله عليه وسلم لكثير من الإيذاء وكذلك زيد، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرفع قدما ولا يضعها إلا على الحجارة، وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وشج رأس زيد بن حارثة رضي الله عنه الذي حاول الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألجأ السفهاء والصبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وبعد أن لحق صبيان ومجانين الطائف بالنبي يرمونه بالحجارة ويشتمونه لجأ إلى بستان يعود لرجلَين من سادات الطائف هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة، ويقع ذلك البستان على بعد ثلاثة أميال من الطائف، ومن هذا البستان الصغير جاءت النصرة والبشارة للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أرسل صاحبا البستان له بغلام نصراني يدعى عداس، يحمل قطفا من العنب ليروي به ضمأ ضيفهما الغريب، بعد أن حمياه من صبيان ومجانين الطائف، وأقعداه في ظل شجرة ليستريح .