الرئيس التركي أردوغان ظاهرة سياسية شرق اوسطية ودولية

بتاريخ :الاثنين 20 يونيو 2022

الناشر :علاء   عدد المشاهدات : 128 مشاهدات

بقلم : يوحنا عزمي

شخصيه أردوغان جديرة بالدراسة بعد ان اثبت بدبلوماسيته التي ينتهجها وبرع فيها أنه قادر علي التحرك في كل الاتجاهات وعلي كافة الخطوط مهما بدت هذه الخطوط متعارضة او متقاطعة او متناقضة مع بعضها.

فهو يتحرك بمهارة تحسب له علي الحبلين الديني والعلماني دون ان يصطدم بأي منهما او ان يصل بنفسه إلي نقطة المفاضلة والاختيار من بينهما ، فهو موجود في الدائرتين معا بنفس القوة وفي نفس الوقت ، ولم يعد انتماؤه اكثر لأي منهما شاغلا مهما لاحد او مدعاة للتساؤل من احد.

وهو يحاول باستمرار ان يفاوض ويساوم من مركز القوة وليس

من موقف الضعف والاضطرار ، رغم ضغوط المشاكل الكثيرة التي يواجهها في الداخل ، والتي كان من الممكن ان تستهلك كل وقته وطاقته ، وتصرف اهتمامه عن الخارج وقضاياه ، لكن هذا لم يحدث ، فهو الحاضر طول الوقت علي كل الساحات الإقليمية والدولية بمواقفه وردود افعاله حتي يظل رقما كبيرا له وزنه في كل الحسابات والقرارات.

والرئيس أردوغان علي علاقات جيدة للغاية بكل القوي الكبري

في العالم رغم ما بينهم مم نزاعات وخلافات ، فهو يخاطب الرئيس الأمريكي بنفس القوة والثقة التي يخاطب بها الرئيس الروسي او الصيني او غيرهم من القادة والرؤساء.

وتحركاته علي مختلف الساحات الإقليمية والدولية يشهد لدبلوماسيته مهما بدت هذه الدبلوماسية عدوانية او مستفزة

او بلا اساس من الشرعية القانونية او الدولية.

فهو يتحرك في سوريا بخططه ومشاريعه التوسعية والاستيطانية دون ان يجد من يقف في طريقه ليمنعه او يردعه ، اقصد لا روسيا ولا إيران ولا إسرائيل ، وكذلك فهو يتحرك في العراق ولا يجد من يحاول ايقافه او التصدي له ، واقصد لا دول التحالف الدولي ولا إيران التي تجمعها بتركيا أردوغان علاقات صداقة وثيقة تحول بينها وبين اخذ موقف متشدد من تدخلا تركيا المسلحة في العراق وتكتفي بالتلميحات دون التصريحات ..

ولهذا ينطلق الرئيس اردوغان في تنفيذ خططه في العراق ولا يلتفت إلي اي احتجاج قد يصله من هنا او هناك .. والاكثر من ذلك ان علاقاته الدبلوماسية مع الدولة العراقية تبدو طبيعية وودية برغم هذا كله .. فلا العلاقات قطعت او جمدت او توترت علي نحو ما كان متوقعا ، وإنما استمرت وتواصلت.

وهو في ليبيا بالقواعد والقوات وبجحافل المرتزقة والارهابيين الذين جلبهم من سوريا اليها ، كما ان له في ليبيا ظهير من السياسيبن االيبيين الداعمين له وممن يجدونه بينهم بقواته ونفوذه ضمانا لقدرتهم علي الاستمرار في وجه كل اشكال المعارضة او الرفض الشعبي لهم.

وهو ينسق مع إسرائيل امنيا ، وهما يعملان معا علي تطوير علاقاتهما الثنائية والوصول بها إلي آفاق بعيدة من التعاون المشترك وذلك في الوقت الذي تمثل فيه تركيا أردوغان لحماس وللسلطة الوطنية الفلسطينية صديقا وفيا كبيرا يمكن الوثوق فيه والاعتماد عليه.

وهو مع دول الخليج يتقارب كما لم يحدث من قبل ، محاولا في الوقت نفسه عزل علاقاته بدول الخليج عن علاقاته بإيران التي تاخذ من دول الخليج موقفا رافضا لتقاربها امنيا وسياسيا مع إسرائيل والذي تجد فيه تهديدا مباشرا لامنها .. ومع ذلك نجح أردوغان في الخروج من هذا المازق الخليجي الإيراني بدبلوماسيته التي تتحرك ببراعة في الاتجاهين معا.

وهو يضع شروطه المتشددة امام انضمام فنلندا والسويد إلي حلف الناتو بدعوي دعمهما للجماعات الكردية الإرهابية علي حد وصفه لها ، وهم يفاوضونه ويهادنونه ويحاولون استرضائه لتليين موقفه وتخفيف عناده ، وهم يجاملونه بكل اشكال المجاملات حتي يفتح باب عضوية الناتو امامهم ، فهو من يمسك بمفاتيح المشكلة بيده وليس اي عضو آخر في هذا التحالف الدولي الكبير.

واليوم تاتي اليونان وقبرص إليه بمبادرات سياسية جديدة تحاول مهادنته والاقتراب منه وسد فجوة الخلاف معه حول حقوق هذه الدول في حقول الغاز في شرقي المتوسط ، وما سمعناه اخيرا من رئيس وزراء اليونان حول اهمية الاحتفاظ بعلاقات جيدة من الصداقة وحسن الجوار مع تركيا ، عدوة اليونان وقبرص التقليدية يعكس مظهرا آخر من مظاهر نجاح دبلوماسية اردوغان في كسر إرادة الخصوم وتسجيل النقاط بلا مقابل يذكر .. فهو الطرف الرابح دائما.

وهو يتسلح من روسيا رغم إنه عضو كبير في حلف الناتو ، وهو

لا يأبه باعتراضات دول الحلف علي سياساته التسليحية التي تلحق الضرر بمنظوماتهم الدفاعية ، ومع ذلك فهم يعتبرونه احد اهم دعائم تحالف الناتو ، وان دور تركيا فيه هو دور استراتيجي لا يمكن تعويضه او الاستغناء عنه .. ولهذا يقبلون منه قراراته سواء عن اقتناع او علي مضض.

وفي الحرب الروسية الأوكرانية يتحرك الرئيس أردوغان بدبلوماسيته في كل الاتجاهات ويلعب علي كل الحبال والقيام بكل الادوار وبصورة لم يقدر طرف آخر علي مجاراته فيها ، وقد اثبت منذ بداية الأزمة أنه حاضر بدوره فيها بصرف النظر عن النتيجة التي قد تسفر عنها جهوده وتحركاته.

ويبقي القول ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وسواء كنت تتفق او تختلف معه ، تحبه او تكرهه ، تقبله او ترفضه ، تطيقه او

لا تتحمله ، تتمني بقاءه او زواله ، يشكل بنهجه واسلوبه مدرسة دبلوماسية دولية كبيرة ومتميزة بطريقتها في توظيف الاوراق وفي العزف علي كل الاوتار ، وفي انتهاج السياسات متعددة الوجوه والالوان والاشكال ..

وهو رجل دولة لا يمكنك بحكم تداخل سياساته ومواقفه وقراراته ان تعرف اين هو في هذا كله او مع من يقف ضد من .. فهو هذا كله معا بسياساته المتحركة في كل اتجاه والتي يمكن ان تتغير من يوم لآخر وفق حساباته وتوقعاته .. وهذا كما قلنا هو اهم وابرز ما فيه

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية