مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :محمود عدد المشاهدات : 188 مشاهدات
بقلم : يوحنا عزمي
في الحقيقة ان دعوة أوكرانيا علي لسان رئيسها زيلينسكي إلي تجريد روسيا من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي ، وهو الاقتراح الذي دعمته الولايات المتحدة علي لسان مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة عندما قالت أننا ايضا نريد ذلك ولكن لا نعرف كيف ، هذه الدعوة هي دعوة تتسم بالحماقة السياسية وبالشطط في ردود الافعال والذي تعرف الدولتان ان مآلها الفشل الأكيد بعد
ان تكون قد احدثت من التداعيات الدولية السلبية ما احدثت من معارضة دولية واسعة لهذا التمادي في سوء إدارة الولايات المتحدة وشركائها لأزمة الحرب الأوكرانية التي ما تزال نيرانها مشتعلة وتنذر بالكثير مما لا يحمد عقباه.
فهذه هي المرة الأولي في تاريخ الأم المتحدة التي نسمع فيها
بمثل هذا الاقتراح الذي لم تجسر الولايات المتحدة علي طرحه
او الاقتراب منه حتي في ذروة الحرب الباردة القديمة ..
فهذه العضوية الدائمة التي كانت للاتحاد السوفيتي القديم
وانتقلت إلي روسيا الإتحادية باعتبارها الوريث الشرعي له بعد تفككه وانهياره في بداية التسعينات ، هي عضوية مقررة لها بالأسم في صلب ميثاق الأمم المتحدة ، وهي مكون اساسي من مكونات مجلس الأمن الدولي ، ولا يجوز نزعها منها او من غيرها من الأعضاء الدائمين الآخرين إلا بتعديل الميثاق رسميا ، وهو ما لن يكون ممكنا إلا بتوافق الاعضاء الخمسة الدائمين بالاجماع علي
مثل هذا التعديل ، وهو ما يعني استحالة حدوثه في وجود الفيتو الروسي والصيني ، الجاهزين لاحباط هذه المحاولة في مهدها وافشالها .. وهذا هو ما دفع الرئيس الروسي بوتين إلي التعقيب علي هذا الاقتراح الأوكراني المدعوم امريكيا ، بأنه ينطوي علي تدمير للنظام الأساسي للأمم المتحدة وأعلن عن استنكاره الشديد لهذا الاقتراح الذي لا سابقة له.
وهذا التوجه الأوكراني الأمريكي المفرط في عدائيته لروسيا
جاء مقترنا مع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي باعتقال الرئيس بوتين لمحاكمته عن جرائم الحرب في أوكرانيا والتي يتحمل المسئولية عنها ، وهو ما دفع نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف إلي التصريح
بأن روسيا سوف تذهب إلي الحرب ضد الغرب ان حدث هذا ووصف هذا القرار بالجنوني ..
هذا إلي جانب ان روسيا لم توقع علي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما ، لرفضها له ، وبالتالي فإن ولايتها لا تسري عليها ولا تعنيها قراراتها ، وان ما يحدث هو تسييس للقضاء الدولي وافقاد لحياده ونزاهته.
ارجع واقول تعقيبا علي ما شهدناه وما زلنا نشهده ، ان روسيا
شئنا او ابينا هي دولة كبري لها ثقلها ومكانتها واعتبارها كأحدي اكبر القوي الدولية المؤثرة في العالم ، ومن ثم ، فإنه لا يجوز اهانتها بهذه الصورة المتعمدة والمتكررة بمحاولة تخفيض مكانتها في النظام الدولي الراهن بتجريدها من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي وبالتعامل مع رئيسها كمجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية ، والانطلاق من ذلك إلي نسف كل جسور التواصل معها وزرع الالغام في كل مكان في طريقها لتحجيمها واستنزافها وبصورة لم تحدث في تاريخ العلاقات بين الدولتين حتي أنه
في ذروة الحرب الباردة القديمة كان بينهما خط اتصال ساخن للتنسيق والتشاور لتوضيح الحقائق تجنبا لوقوع حرب نووية بطريق الخطأ .. هذا ما كان يحدث في الماضي ..
أما الآن فإن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تصر علي التعامل مع روسيا ليس من موقع الندية باعتبار روسيا القوة النووية الأولي
في العالم باجماع كافة المصادر الدولية الموثوق فيها ، وان من حقها ان تدافع عن أمنها القومي في مواجهة الأخطار التي تتهدده تماما كما تفعل الولايات المتحدة من خلال الناتو وغيره من المحالفات والترتيبات الدفاعية ..
وانما تعتبرها قوة إقليمية لا تستحق ان تكون عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي ، او ان لها مكان في مشاريع الأمن والتعاون الأوروبي علي غرار ما كان عليه الحال منذ السبعينات ، ولا في المجموعات الاقتصادية الدولية كبريكس او غيرها ، وهو ما يعني التصميم علي محاولة تهميشها بكل الوسائل الممكنة ، واستبعادها من الصورة كفاعل دولي كبير له ثقله في معادلات القوة الدولية وذلك بمحاصرتها وتضييق الخناق عليها داخل حدودها باستراتيجية احتواء أمريكية جديدة صارمة ومتطرفة في طبيعتها وفي آليات تنفيذها.
وعلي الرغم من اختلافنا مع بعض سياسات الرئيس الروسي بوتين وقراراته منذ دخوله بقواته إلي اوكرانيا ليبدأ حربه عليها وهو ما كان بإمكانه ان يتجنبه ليقطع الطريق علي خصومه للايقاع به وتوريطه في حرب لن يعرف كيف يخرج منها ، نقول ان ما تفعله الإدارة الأمريكية الحالية لا يمكن وصفه بالسلوك الدولي البناء او المسئول لقوة دولية كبري كالولايات المتحدة الأمريكية ، وانما هو إشعال من هذه الإدارة لحرب باردة جديدة اكثر ضراوة واشد خطراً علي السلم والأمن الدوليين من الحرب الباردة القديمة ، علي الرغم من كثرة وخطورة ما شهدته من حروب وصراعات وازمات دولية ساخنة وسباقات تسلح في اخطر صورها واشكالها إلا أنه كان هناك دائما خطوط رجعة مفتوحة امام كل الاطراف لتغيير المواقف وتقديم التنازلات.
وإذا كان هذا الذي يحدث الآن بسبب حرب روسيا في اوكرانيا
فإن للولايات المتحدة هي الأخري سجل حافل وطويل في إثارة الحروب الإقليمية وفي التدخلات الخارجية المسلحة ضد إرادة الشعوب التي استهدفتها وجعلتها تدفع ثمنا فادحا فيها ..
هذا ليس تبريرا مني للحرب الأوكرانية او دفاعا عن موقف روسيا فيها ، وانما هو تذكير بأن ما تنتقده امريكا وتعيبه علي روسيا اليوم وتحشد العالم كله ضدها لعزلها ، قد فعلت ما يفوقه في أضراره وسوء نتائجه عشرات المرات ... ولندع حقائق التاريخ تنطق وتتكلم... ولنا بعدها ان نحكم.