"الصلح خير والمسامح كريم: جريدة الرأي صرخة جمهور في وجه إعلامٍ أصفرٍ ألهب حربًا بين نجمَتَين ظلمهما التشابه"

بتاريخ :الثلاثاء 13 مايو 2025

الناشر :محمد احمد   عدد المشاهدات : 211 مشاهدات

 الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر

في زمنٍ لم تعد فيه الكلمات تُختار بعناية، ولا الحقائق تُحترم، باتت الكذبة البسيطة أقوى من الحقيقة المعقدة، وأصبح الاسم الواحد كافيًا ليصنع زوبعةً في فنجان الشهرة، وسيفًا مسمومًا يُشهر في وجه من لا ذنب له سوى أنه "شبه" في الاسم... لا أكثر. وهنا، نتحدث لا عن قضيّة عادية، بل عن مأساة إعلامية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مأساة تجسدت في حالتين متوازيتين: الممثلة إيناس عز الدين، والمطربة إيناس عز الدين. فتاتان مختلفتان، لكل منهما بصمتها الخاصة، وملامحها المتفردة، وقصتها الفنيّة المستقلة، لكن الإعلام الأصفر ـ بشغفه المحموم في مطاردة "التريند" ـ جمع بينهما في درب واحد محفوف بالإشاعات، المزايدات، واغتيال السمعة. وليس هذا فحسب، بل حوّل تشابه الأسماء من طرافة اجتماعية إلى تراجيديا مفتوحة على صفحات الجرائد الإلكترونية، ومدفوعة بعناوين لا تعرف الرحمة. إنها ليست مجرد قضية فنية عابرة، بل انعكاس مرير لواقع إعلامي مهترئ، بات فيه الإنسان ضحية الاسم، لا الفعل.

فصل الصراع: حين يصنع الإعلام نارًا من دخان

بدأت جذور الأزمة مثل شعرة في العجين، لا تكاد تُرى، لكنها قادرة على إفساد الخبز كله. مجرد خبر صغير، مفبرك، نُسب إلى "إيناس عز الدين"، دون تمييز بين المطربة والممثلة، نُشر في زاوية غير محايدة من زاوية إعلامية صفراء، ومرّ على أعين جمهور متعطش للجدل، فاشتعلت النار. وما بين صورة للمطربة تحت عنوان يتحدث عن الممثلة، وتصريح منسوب إلى إحداهما في حين أنه صدر عن أخرى، تحوّل التشابه إلى فتنة، وتحولت الفتنة إلى خصومة، وانقسم الجمهور كما لو أنه يشاهد مباراة مصيرية. الإعلام هنا لم يكن شاهدًا على الحقيقة، بل كان اللاعب الأساسي الذي دسّ السم في العسل، ولعب على حبال الالتباس، وراح يصطاد الأخطاء بكل خبث، لا ليصححها، بل ليفخّخها، ويعيد تدويرها، ويبيعها كسلعة بائسة على عتبات التريند. وهكذا، صارت الممثلة في موقع الدفاع عن نفسها، والمطربة في موقع الهجوم، أو العكس، بحسب نوعية ما نُشر، وتوقيته، ونوايا من كتبه. ولكن، لم يكن هناك طرف مخطئ بقدر ما كانت هناك منظومة كاملة خاطئة، تبدأ من الصحفي الذي لا يتثبت، ولا يتحقق، ولا يعرف الفرق بين الفنانين، ولا يحترم مسؤولية الكلمة، وتنتهي عند المتابع الذي يتداول الأكاذيب دون تروٍّ أو شكّ.

الشرخ النفسي: ألم النجومية حين تتحول إلى نقمة

ليس من السهل أن يستيقظ إنسانٌ على اسمه في العناوين، ويكتشف أن ما نُشر لا يمت له بصلة، وأن صورته أُدرجت بجانب محتوى لا علاقة له به، ثم يضطر لأن يُنكر، ويُبرر، ويوضح، في حلقة لا تنتهي من الدفاع عن كرامته، وهويته، ومشواره. فما بالك حين يتكرر هذا الأمر مرارًا، ويحدث التشويش ذاته، وتتكرر الهجمة مرة بعد مرة، ويصبح الاسم عبئًا، لا مصدر فخر؟ تلك كانت معاناة كلٍّ من الممثلة إيناس عز الدين، والمطربة إيناس عز الدين. كلتاهما وُضعتا في فوهة مدفعٍ لم تطلباه، وتلقّتا وابلاً من الأسئلة، والاتهامات، والهمز واللمز، دون أن يُسمح لهما حتى بفرصة إيقاف العرض الهزلي الموجّه ضدهما. وهذا الجرح، مهما بدا افتراضيًا، هو جرحٌ إنساني عميق، يطعن الفنانة في صدقها، وفي حب الناس لها، وفي صورتها أمام نفسها. أن تظل مضطرة لتشرح أنك لست الأخرى، وأن تغضب لأفعال لم ترتكبيها، وأن يُسيء إليك الناس لأنهم أخطأوا بينك وبين غيرك، هو شكل من أشكال العنف المعنوي. وهنا، لم تُجرح الفنانة كشخص فقط، بل كإنسانة اختارت الفن كرسالة، فوجدت نفسها مادة للتشهير، والتشويش، والفوضى.

النبض الشعبي: حين يثور الجمهور على عبث الإعلام

وسط هذه العاصفة، لم يكن الغضب حكرًا على الضحيتين، بل كان له صداه عند الجمهور الواعي، الذي سئم من استغباء العقول، ومن سرقة الحقيقة باسم "السبق الصحفي". جمهورٌ أحب الفنانتين، واحترمهما، ورفض أن يرى اسميهما يُستعملان كلُعبة رخيصة على مائدة شهرة زائفة. وهنا كانت المعجزة: خرجت مبادرة "الصلح خير والمسامح كريم" من عمق الوعي الشعبي، لا من أبراج الإعلام ولا من صفحات المجلات. خرجت من قلوب محبّة، مثقفة، نقية، رأت الحقيقة المجردة خلف الضجيج، ورفضت أن تُساق في قطيع التنمّر. قال الناس كلمتهم، وقالوها بصدق: "كفى تشويشًا، كفى فبركة، كفى استغلالًا، نحن نُطالب بالتصالح لا التقاتل، وبالاحتواء لا التفرقة، وبأن تعود النجمتان لتُضيئا سماء الفن بدل أن تُحرقا بسُم الإعلام". وفي هذه المبادرة، عبّر الناس عن نضج غير مسبوق، وعن إدراك أن المعركة لم تكن بين النجمتين، بل معركة ضد إعلام منحرف، يُطلق النار من وراء ستار، ويُشعل الحرائق ليبيع صورها في الصفحة الأولى.

الرسالة الأسمى: الفن لا يُهان مرتين

الذين فهموا عمق ما جرى، يدركون أن ما حدث ليس خلافًا فنيًا، ولا شجارًا شخصيًا، بل اغتيال معنوي مزدوج، أُدير بدهاء، وسُوّق كـ "خلاف فني"، وهو في الحقيقة "جريمة تشويه متعمد لهويتين فنيتين". ولو لم يتحرك الناس، ولو لم ينطلق وسم "المسامح كريم"، لربما بقيت النار مشتعلة، ولكانت الحرب النفسية قد التهمت قلوبًا بريئة لم يكن لها من حماية سوى ثقة الجمهور. الرسالة التي يجب أن نكتبها اليوم، ونُعلّقها على كل بوابة إلكترونية تفتعل العناوين هي التالية: "الفنان ليس مجرد اسم. الفنان إنسان. وكل خبر خاطئ عنه، وكل خلط في هويته، هو طعنة في مسيرته، وفي روحه، وفي صورته أمام جمهوره". لقد آن الأوان أن يكون للفنانات والفنانين حماية حقيقية من الإعلام المسيء، وأن يتم سنّ قوانين تجرّم التشويه العمد، والتضليل المهني. وآن الأوان أكثر أن نُصفّي النية، وأن نُعيد الوصل بين الممثلة والمطربة، لا كطرفين في صراع، بل كضحيّتين تستحقان التضامن، والاحترام، والتقدير.

* حلم الجمهور الذي يريد تحقيقة 

في إحدى أمسيات القاهرة، حيث ينام النيل هادئًا كشاعر أنهكته القصائد، ويلتف الليل حول المدينة كغطاء من حرير الذكريات، اجتمعت الأقدار لتصنع لحظة لا تُنسى، لحظة تنتصر فيها المحبة على الضغينة، وتتنفس فيها الحقيقة بعد طول اختناق. داخل قاعة صغيرة تُطلّ على النهر، وتضجّ جدرانها بصور كبار الفنّانين الذين عبروا قبلهم، كانت القلوب تسبق الخطى. دخلت إيناس عز الدين الممثلة بثوب أسود بسيط، أنيق كهيبتها، وداخليًا تحمل ألف سؤال عن اللحظة، عن اللقاء، عن تلك المرأة التي تحمل اسمها، والتي صار بينهما من المسافة أكثر مما تُجيد الذاكرة احتواؤه.

وفي الجهة المقابلة، دخلت إيناس عز الدين المطربة، بثقة المغنية التي واجهت الحياة بصوتها قبل أن تواجهها بأحكام الناس، لكنها في تلك اللحظة لم تكن نجمة على المسرح، بل كانت إنسانة جاءت لتُطفئ نارًا لم تُشعلها بيديها، لكنها احترقت بها من بعيد

وحين التقت العيون، لم تكن هناك كلمات

كان الصمت أبلغ من كل حوار، والدمعة أصدق من كل بيان

اقتربتا بهدوء، ثم تعانقتا كأن الزمن قرر أن يعتذر، وكأن القاهرة، بكل شوارعها، تنصت لتلك اللحظة النادرة

قالت الممثلة: "سامحيني إن صدر عني ما ظننته ردًا على إساءة، لكنّي كنت تائهة في زحام الأكاذيب".

فردّت المطربة: "أنا التي أطلب السماح، لأنني صدقت بعض الظلال، وظننتك أنتِ من كتبها"

ثم ضحكتا معًا، كما لم تضحكا منذ شهور، وربما سنوات

في تلك اللحظة، لم تكن هناك فنانتان تحملان الاسم نفسه، بل امرأتان، شقيقتان في الجُرح، وفي الفن، وفي الشجاعة على المصارحة

صفّق الحاضرون، لا للصلح فقط، بل لانتصار النُبل على الابتذال، والضوء على العتمة، والنقاء على زيف الإعلام.

وفيما كانت كاميرات الهواتف تلتقط الصورة التي ستهزّ الإنترنت، كانت قلوب العارفين تُسجّل المشهد في مكانٍ أعمق: في الضمير

ومنذ تلك الليلة، لم يعد الاسم عبئًا، بل بات جسرًا

لم تعد المقارنة لعنة، بل أصبحت صدفة جميلة

وبات الإعلام مرغَمًا على تصحيح مساره، وعلى احترام كل إيناس، مهما اختلفت موهبتها، لأن الناس قالوا كلمتهم، ورفعوا شعارهم:

"الصلح خير... والمسامح كريم"

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية