مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :محمد احمد عدد المشاهدات : 922 مشاهدات
الكاتب عمر ماهر
قررت البعاد عن البشر مش لأنو الحياة صعبة، لأ، الحياة لوحدها أهون بكتير من الناس يلي فيها، أنا فلّيت مش ضعف، فلّيت مش هروب، فلّيت لأنو ما بقى فيي أكمل حرب يومية ضد قلوب مسمومة، ضد نظرات فيها خنجر، ضد ضحكات وراها ألف سيف، ضد عقول مريضة بتفكّر بالأذية قبل ما تفكّر بحالها، أنا تعبت… تعبت من الحقد، من الغلّ، من الكره، من الظنّ السيّئ، من التخطيط للشرّ، من الحسد يلي صار مثل التنفّس، من اليأس يلي صار عادي، من الخذلان يلي صار طبيعي، من المواقف يلي بتكسر وما حدا بيلتفت، من العلاقات السامّة، من الناس يلي بتدخل حياتك كرمال يدمرّوك مش يطوّروك، من عالم كلّو أقنعة، كلّو كذب، كلّو تمثيل، وأنا؟ أنا ضعت بينن، ضعت بين إذا بحكي بينزعجوا، وإذا بسكت بينفهم غلط، وإذا بحب بينطعن، وإذا بكره بينقال عني قاسي، وإذا كنت طيّب بيستغلوني، وإذا كنت حذر بيقولوا عني شايف حالي… طيّب شو الحلّ؟ شو لازم نكون لنتقبّل؟ ولا نحنا أصلاً ما عاد فينا نتقبّل شي إلا إذا كان بيخدم مصلحتنا؟
الحياة مش دايمة… ليه منكمّل بقساوتنا؟
نحنا مش ضامنين شي، نحنا مش ضامنين نفيق بكرا، ولا نكمّل الأسبوع الجاي، كل الناس عم تموت، كل يوم حدا بيمشي، حدا بيغيب، حدا بيندفن، حدا بيتحاسب، والموت مش عم يسأل لا غني ولا فقير، لا ظالم ولا مظلوم، لا حاسد ولا محسود، طيّب ليه بعدنا منكمّل قساوتنا؟ ليه منكمّل كره؟ ليه منشرب سُمّ الحسد بقلوبنا كل يوم؟ ليه مننسى إنو نحنا عابرين؟ إنو هالجسد مؤقّت؟ إنو هالعيشة إلها نهاية؟ يحصل شو لو حبّينا الخير لبعض؟ يحصل شو لو بطلنا نحسد ونقارن ونقهر بعض؟ يحصل شو لو ركّزنا بحالنا بدل ما نتدخل بحياة غيرنا؟ شو بيصير لو كل واحد عاش على قدّو؟ شو رح نخسر لو سامحنا؟ لو تصالحنا؟ لو باركنا لبعض من قلبنا؟ في ناس عم تشتغل ليل نهار، وتنجح، وبدل ما نفرحلن، منقعد ننبش شو غلطن، ومنقلل من قيمتن، طيّب ليه؟ ليه منعيش بهالسمّ؟ ليه منغار لهالدرجة المَرَضيّة؟ نحنا بدنا نعيش العمر كلو نراقب مين سبقنا؟ وننسى نركّز بطريقنا؟ الحياة قصيرة، والله قصيرة، والآخرة قربِت، وهيي الحقيقة الوحيدة الثابتة، ونحنا؟ نحنا بعدنا عم نتعامل كأنو رح نعيش أبد، كأنو ما في موت، ما في قبر، ما في حساب، كأنو ما في ربّ شايف وسامع وبيحاسب.
أسلوب الأذى صار عادة… وصار كفر بالمحبة
يلي عم يصير حوالينا مش بس قساوة، صار كفر بالمحبة، كفر بالرحمة، كفر بالنخوة، كفر بالإنسانية، كفر بالحقّ، أسلوب الأذى ما عاد غلطة، صار نمط حياة، الناس ما بتنام قبل ما تفكّر كيف تأذي، كيف تشوّه، كيف تخرب، كيف تدمّر، ناس بتضحك بوشّك وبتدعي عليك بغيابك، ناس بتاكل معك وبتنهش فيك، ناس بتغار من ضحكتك، من رزقك، من نجاحك، من حبّ الناس إلك، من كل شي ولو صغير… ووين ما تروح، تلاقي حدا حاقد، حدا ناطر زلّتك، حدا عم يحفرلك، حدا عم يستخدم الدين ليبرّر خبثه، حدا بيكذّب وبيقنعك إنو صادق، حدا بيأذي الأبرياء بكل برود، والناس صايرة ما تستحي، ما تخاف، ما تتراجع، وكأنو ما في حساب، وكأنو ما في آخِرة، وكأنو نحنا مخلّدين على هالأرض.
السحر… الجدل… الكذب… كله أذية مقنّعة
صرنا بندخل الجدل والسحر والشعوذة والكذب بكل شي، بكل خطوة، بكل علاقة، بكل موقف، بيوت عم تتفكك، ناس عم تمرض، عقول عم تنهار، عيال عم تنهدم، ورا الأذى في بشر، بشر مفكّرين إنو السيطرة على غيرن بتعطيهن قوّة، ناس عم تلجأ للشياطين كرمال تحقّق رغبة، كرمال تفشّ غل، كرمال تنتقم، طيّب ليه؟ شو استفدنا؟ يلي بيعمل سحر ليفرّق بين زوجين، شو بيكسب؟ يلي بيدخل بيوت الناس بالحسد والغيبة والنميمة والفتنة، شو هدفو؟ شو بيستفيد؟ يلي بيضحّي بأبرياء ليربح من ورا الكذب أو الدجل أو السلطة، كيف بيقدر ينام؟ نحنا صرنا نلعب دور الإله، نحكم ونقرّر ونأذي، وصار في ناس بتتسلّى بدموع غيرها، بنجاح غيرها، بوجع غيرها، وكأنو المشاعر لعبة، وكأنو الحياة مزحة، بس ما حدا فاهم إنو في ساعة رح توقف، ورح تنعرض كل الصور، وكل الأفعال، وكل النوايا.
أنا مش ملاك… بس موجوع من قلب الناس
أنا ما ادّعيت شي، ما قلت إني ملاك، ولا إنو قلبي أبيض من التلج، بس موجوع، موجوع من اللي حواليي، موجوع من الناس يلي كانت تقول بحبّك، وبس صار بدّا تضحي، سابت، موجوع من أصحاب غيّرهم الحسد، من قرايب فتّحت عيونا الطمع، من أهل طلعوا غرب، من وجوه كانت تبكي قدّامي، وتضحك على سقوطي، من عالم عم تسخر من طيبتي، من دموعي، من صدقي، من إيماني، موجوع لأنو بعدني عم بقول يمكن، ويمكن هيدي الكلمة هيي يلي عم تخليني أكمّل، يمكن بكرا، يمكن في حدا منيح، يمكن في خير، يمكن في نور، بس المشوار بيوجع، واللحظة تقيلة، والقلب تعبان…
بس بعدني بآمن… رغم كل شي
بعد كل شي، بعد كل الظلمة، بعد كل الوجع، بعد كل الخذلان، بعد كل شوك مشيت فيه، بعد كل ضهر طعني، بعد كل عين سمّمتني، بعد كل باب تسكّر، بعد كل خوف، بعد كل دمعة، بعد كل ليلة وحدة… بعدني بآمن، لأنو الأمل مش ضعف، ولأنو قلبي بعدو بيرفض يصير متلن، ولأنو مهما صار، أنا ما رح أتحوّل لوحش متلن، ولأنو يمكن أنا مش لحالي، يمكن في ناس متلي، حسّوا نفس الشعور، ونفس الصرخة، بس بعدّن عم يكمّلوا… متلّي.
الإنسان… حرب مع حاله قبل ما تكون مع غيره
مشاكل الإنسان مش بس مع الناس، مش بس مع الظروف، ولا مع الحظ، ولا مع الحياة، مشاكل الإنسان أول شي مع حاله، مع نفسه، مع صوته الداخلي، مع أفكاره يلي ما بتسكُت، مع وجعه يلي بيصحى فيه وبينام عليه، الإنسان بيصحى من النوم حامل همّ عمره، بيحطّ رجليه عالأرض وبيبلّش يعدّ شو ناقصه، شو خسره، مين خان، مين فلّ، شو ما معه، شو ما عمل، شو ما وصل، الإنسان بيشوف حاله من نواقصه، مش من نعمته، وبيصير يعيش ركض… ورا قبول الناس، ورا رضا المجتمع، ورا التقدير، ورا النجاح، ورا الحب، ورا مصاري، ورا مظهر، ورا شي يمكن ما بيعرف شو هو أصلاً… بس كل يوم بيركض ورا شي.
وبيضلّ يفكّر إنو ناقص، ناقص لو كان غني، ناقص لو محبوب، ناقص لو ناجح، لأنو دايمًا في حدا أعلى، ودايمًا في مقارنات، ودايمًا في ضغط، ودايمًا في سؤال “ليه مش أنا؟” “ليه هنّي مش أنا؟” “ليه بعدني محلّي؟” وبيكبر جوّاتو غول اسمه “أنا مش كافي” وها الغول بياكلو من جوّا، بيكسر ثقته، بيهدّ إحساسو، بيعملو إنسان خايف، مزروع بالقلق، بيمشي ومحمّل بألف سؤال، وبيرجع عالبيت محمّل بألف جواب ما طلبو.
القلق… رفيق الإنسان الما بينام
الإنسان اليوم بيخاف… بيخاف من بكرا، من الفشل، من الوحدة، من العتمة، من المرض، من الفقد، من الفقر، من الشيخوخة، من الغدر، من الخيانة، من نظرة الناس، من الحكي، من السكوت، من الماضي، من الجاي، من نفسو… ويمكن من ربّو.
نحنا شعب قلق، ما منعرف نرتاح، وإذا ارتحنا منخاف من الراحة، منقول: “شي رح يصير!”، نحنا نعيش على توقّع المصيبة، ونحضّر للوجع قبل ما يوصل، نحنا صرنا نحبّ الناس بس من بعيد، نساعد بس بخوف، نقرّب وبنفس الوقت نحطّ حدود، صرنا نضحك ونبكي بنفس اللحظة، نقول إنّا بخير ونحنا عم نموت، نقول “ولا شي” ونحنا حاملين الدنيا على راسنا، الإنسان صاير قلق من حاله، خايف يفتح قلبه، خايف يآمن، خايف يسلّم، لأنو كل شي عم بيخونه، حتى إحساسه.
العلاقات… معركة البقاء مش حبّ
العلاقات ما عادت حبّ، ولا طمأنينة، ولا رفيق، العلاقات صارت ساحة حرب، مين أقوى؟ مين بيسيطر؟ مين بيقلّ حبّه أكتر؟ مين بيعمل حالو مش مهتمّ؟ مين بيعرف يختفي صحّ؟ مين بيعرف يقسى أكتر؟
العلاقات تحوّلت لمعركة نفسية، كل طرف ناطر التاني يغلط، ما بقى في احتضان، ما بقى في صدق، ما بقى في بساطة، صرنا نحبّ ونشكّ، نحبّ ونجرّب نأذي، نحبّ ونغار، نحبّ ونبعد، ليه؟ لأنّو نحنا موجوعين، ومنحاول نداوي جرحنا بجرح غيرنا، منخاف نحبّ ونخسر، منخاف نحبّ وننكسر، منخاف نحبّ ونرجع متل قبل، متل كل مرّة
المال… سلاح بيبني وبيقتل
والمصاري؟ المصاري صارت مقياس، صارت وجهة نظر، صارت قوّة، صارت حُكم، صار الغني إله، وصار الفقير غلطة، وصارت الناس تنحني للفلوس، وتنسى الأخلاق، صار كل شي ينقاس بالمادة، حتى الحبّ، حتى الصحّة، حتى المقامات، حتى الكرامة…
المال صار سبب صراعات، خلافات، موت، ورا المصاري في قتل، ورا المصاري في ظلم، ورا المصاري في طلاق، ورا المصاري في طعن… بس ما حدا شايف كيف الفلوس بتروح بلحظة، كيف الغنى الحقيقي هو الرضا، كيف السلام أهم من رصيد، كيف النوم مرتاح أهم من حساب بنكي مليان، كيف الفقير يلي قلبه نظيف هوّي أغنى من كل الفاسدين… بس نحنا عم ننسى، عم ننسى لأنو الغرور شاطر، لأنو العين بتقارن، لأنو القلب بيركض، والعقل بيحسب، والضمير… نايم.
الإنسان… كائن بينهار وما حدا بيسمعه
الإنسان بيبكي بالخفى، وبيضحك بالسوشال، بيصرخ لحاله، وبيركّب ماسك لبرا، بيطلب حبّ، وبيتمثّل القوّة، بيشتاق، وبيكابر، بيحتاج، وبيكتم، بيتمنّى حضن، وبيقنع حاله إنو ما حدا بيستاهله، بيكتب بوستات عن التفاؤل، وبيكون جوّاته عم ينهار، الإنسان ما بقى يعرف كيف يطلب، كيف يعبر، كيف يرجع طفل، لأنو كبِر بالغصب، كبر بالضرب، كبر بالخوف، كبر بالخيانة، كبر بالصراخ، كبر بالخذلان، كبر بالوقت الغلط، ومع الناس الغلط، وكل هيدا الكبر… جوّاتو طفل صغير بعدو ناطر حدا يحضنه ويقلّه: "أنا حدّك".