صفعة أيقظت وطنا.. ماذا قال لنا عم غريب دون أن يتكلم؟ ـ جريدة الراي.

بتاريخ :السبت 25 اكتوبر 2025

الناشر :ولاءهنداوي   عدد المشاهدات : 264 مشاهدات

صفعة أيقظت وطنا.. ماذا قال لنا عم غريب دون أن يتكلم؟ ـ جريدة الراي.

 متابعة/ منتصر السيد أحمد 

في لحظة واحدة تجمّدت الكاميرات وسقطت الكلمات وبقي المشهد وحيدا على الشاشة: رجل مسن تُصفع كرامته أمام عينيه ، دون أن يملك إلا أن ينظر صامتا ، كأن صمته هو آخر ما تبقى له من الكرامة.

لكن ما لم يقله عم غريب بكلماته قاله الوطن كله بدموعه. تلك الصفعة لم تُوجّه لرجل واحد بل لضمير جمعي نام طويلا فاستيقظ مذعورا على صوت الألم.

 

لم يكن في المشهد ما يستحق التحليل بقدر ما يستحق التأمل. لأن ما رأيناه لم يكن حادثة عابرة بل مرآة كاشفة لشيء أعمق: هشاشة الإنسان حين يُصبح بلا سند وضياع المعنى حين تتراجع الرحمة أمام القسوة وحين يتحوّل القانون من مظلة للحماية إلى صمت ثقيل يبرّر العجز.

لقد رأينا في عيني عم غريب حكاية جيل كامل ، جيل عاش بكرامته أكثر مما عاش برغده جيل تربّى على الصبر لا على الصراخ وعلى الاحترام لا على المهانة. لذلك كانت الصفعة على وجهه أقسى من الرصاص ، لأنها اخترقت جدار الكرامة قبل أن تمسّ الجلد.

 

عم غريب لم يتكلم لكنه قال الكثير. قال إن الفقر لا يُبرر المهانة وإن الضعف لا يسقط عن الإنسان حقه في الاحترام. قال إن العدالة ليست ورقة في ملف ، بل روح تسكن المجتمع حين يشعر كل فرد أن كرامته مصانة ولو كان عاجزا.

في تلك اللحظة لم يكن السؤال: من اعتدى؟ بل: كيف وصلنا إلى أن تُهان الشيخوخة بهذا الشكل وكيف سكتت الرحمة طويلا حتى احتاجت إلى صفعة كي تستيقظ؟

 

لقد كشفت الواقعة عن أمر أكبر من تفاصيلها. كشفت أن المجتمع ما زال حيا وأن الضمير الجمعي في مصر مهما غلبه الصمت ما زال يعرف متى يصرخ. فالملايين الذين شاهدوا المشهد لم يروا فيه مجرد حادثة اعتداء بل جرحا في إنسانيتنا جميعا. وهذا الوجع الجمعي هو في ذاته دليل صحة، لأن الشعوب لا تبكي إلا على ما يشبهها.

 

أعاد عم غريب تعريف معنى الاحترام في زمن اختلطت فيه القيم. فحين صمت كان يصرخ فينا جميعا: لا تجعلوا الفقر تهمة ولا العمر سببًا للخذلان. كان يذكّرنا بأن الدولة القوية ليست تلك التي تملك سلاحا بل التي تحمي الضعفاء من أن يُصفعوا في العلن. وأن التمدّن لا يُقاس بناطحات السحاب بل بمدى خجلنا من مشهدٍ كهذا.

ربما لم يكن يدري هذا الرجل البسيط أنه صار رمزا. لم يكن يعلم أن صورته ستنتشر لتعيد إلى السطح أسئلة عميقة عن العدالة الاجتماعية ، وحقوق الإنسان وواجب المجتمع تجاه من أخلص

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية