مسجله بالمجلس برقم 0191160
رئيس مجلس الادارة / وائل عبداللاه الضبع
نائب رئيس مجلس الإدارة / رحاب على
رئيس تحرير تنفيذى/ منى الطراوى
الناشر :محمد احمد عدد المشاهدات : 74 مشاهدات
الكاتب عمر ماهر
المسرح عم يبكي، الكاميرا عم تحتار، والمايكروفون صار عم يرجف من الخجل… لأنو النجومية صارت لعبة مستفزّة، ممسوخة، بلا لون، بلا صوت، بلا قلب… الوهج صار تجاري، الشهرة صار فيا shortcuts، والصعود صار مسألة حظّ وفلتر وصدفة، مش تعب، مش إحساس، مش إبداع… نحنا بزمن صار فيه اللي بيصرخ أكتر بيطلع، واللي بيرقص أغرب بينشهر، واللي بيقلّد أكتر بيوصل، وصار كل واحد بيحمل تليفونه وبيصوّر حاله خمس دقايق، بيتحوّل بـ24 ساعة من إنسان عادي… لـ"نجم"، والناس ما عم تسأل: نجم شو؟ فنان بأي مجال؟ شو عمل؟ شو قدّم؟ كيف وصَل؟ كل شي صار معتمد عالعدد، مش عالقيمة.
وللأسف، الصناعة نفسها، يلي كان المفروض تحمي الفن، صار شغلها تشرعن هالانحدار، وتدعمو، وتطبعو، وتسوّقو، وتحطّو بالواجهة، وتروّجلو تحت شعارات "الجيل الجديد"، "الانفتاح"، "الجرأة"، "الواقعية"، "التطوّر"، بس بالحقيقة؟ نحنا مش عم نتطوّر، نحنا عم نتدهور… عم ننزلق بانهيار مدوّي، وما حدا عم يدق ناقوس الخطر… أو يمكن عم يدقّ، بس الصوت الحقيقي ما بقى يُسمع بين ضجيج الفارغين.
صرنا بزمن الموهبة ما بقى إلها صوت، الحرفيّة صارت تهمة، الدراسة الأكاديمية صارت عيب، والممثل المحترف صار لازم يعتذر إنو تعب على حاله، والمغني يلي تعلّم الصولفيج صار "قديم الطراز"، والشاعر يلي بينقي كلمته صار "معقّد"، والمخرج يلي بيخاف عالصورة صار "تقيل دم"، والممثل يلي بيحضّر للدور صار "بيتفلسف"، لأنو المطلوب اليوم: سرعة، سطحية، مشهدية، خفّة، ضحكة، رقص، تصنّع، مبالغة، وهيك... الجمهور "ينبهر".
بس لحظة، مين قال إنو الجمهور بدو هالشي؟ مين قرّر إنو الناس ما بقى تحب الفن النظيف؟ مين عطى الحق للمنصّات والمعلنين والشركات الإنتاجية يفرضو على الوعي الجمعي إنو هيدا هو الذوق؟ الحقيقة إنو الناس دايمًا بتحس، بتفهم، بتميّز، بس المشكلة إنو الخيارات النظيفة قلت، النماذج الحقيقية اختفت، المساحات الحقيقية صغرت، صارت الناس مجبورين يختاروا من بين السيئ والأسوأ، ويصدّقوا إنو "هيدا هو النجم".
ما حدا عم يسأل: ليش فجأة اختفت المسارح الجديّة؟ ليش المعاهد الفنية ما بقى تخرّج نجوم؟ ليش الصوت الحقيقي بيختفي قدّام همسة مزوّفة على "ريل"؟ ليش كل شي صار مختصر، مأخوذ، مشحون، محرّف، مزخرف، بس بلا روح؟ لأنو اليوم صار المعيار الوحيد للنجاح هو قديش في views، مش قديش في إحساس.
ومنشوف اليوم على الشاشة ناس بيلبسوا متل النجوم، بيحكوا متل النجوم، بيعملوا ستايل متل النجوم، بس ما عندن شي حقيقي… ما في عمق، ما في ألم، ما في تجربة… هني بس "ترند"، بيتكرّروا بكل فيديو، بيعيشوا على الـ"لوك"، عالحركة، عالشهقة، عالضحكة، عالستوري، عالستوديو المفروش بإضاءة مصطنعة وكاميرا HD، بس من جوّا؟ فراغ قاتل… ووقت بيفتح تمّو يغنّي أو يمثّل أو يرتجل، بيفضح حالو، لأنو الوهج المصنّع بيوقع بأوّل اختبار صدق.
صرنا بزمن صار فيه التيكتوك مدرسة النجومية، والانستغرام مسرح التمثيل، والسناب شات استديو تسجيل، وصار النجم الحقيقي يتخبّى، يخجل، ينكمش، لأنو ما عم يعرف كيف يصرّخ حتى يسمع صوتو وسط هدير الانحدار الجماعي… والمأساة؟ إنو عم نربّي أجيال عم تتعلّم من هالنماذج، عم تقلّد، عم تردّد، عم تفتكر إنو الفن هيك… عم يشوفوا الشهرة هي الغاية، والشكل هو الوسيلة، والكذب هو المفتاح.
وين النجوم يلي بيطلعوا عالهوا من دون سكريبت وبيحكوا كلام بيبكي بلد؟ وين المطربين يلي بيغنّوا حيّ عالمايك وبيخلّوا المستمع يحسّ بالدمعة؟ وين الممثلين يلي بيحملوا شخصية من لحم ودم وبيزرعوها بداخلنا سنين؟ وين المنتج يلي كان يفتّش عالصوت، مش عالعدد؟ وين النقد؟ وين الغربال؟ وين الرقابة الأخلاقية، مش الرقابة السياسية؟ كلّها ضاعت… كلّها سكتت… أو بالأحرى: سُكّتت.
وبالآخر، منسأل: لو هالجيل الجديد فجأة اختفى من السوشيال ميديا، بيضلّ عندو وجود؟ لو انقطعت الكهربا، وراح النت، وسكّرت المنصّات، هل بيبقى نجم؟ ولا بيصير متل غيمة دخان، اختفت مع أول ريح؟ الجواب مرعب، بس لازم ينعرف.
ما منعمّم، أكيد لا… في مواهب حقيقية عم تطلع، في أصوات عذبة، في عقول نضيفة، في مواهب بتخترق العتمة، بس للأسف، الضوء ما عم يوصلن… لأنو كل الأضواء مشغولة تلمّع نجوم مصنوعة بمصنع شهرة، مصنع ما بيعترف لا بالتاريخ، ولا بالموهبة، ولا بالهوية.
وهون السؤال الكبير…
هل الفن رح يستسلم؟
هل نحنا رح نقبل؟
ولا بعد في وقت نرجّع نعلّي صوت الحقيقة…
وننقذ المعنى من براثن الفلتر،
ونزرع نجوم من جوّا… مش بس من برّا؟