البترول الصخري في مصر… ثروة مؤجَّلة بعين الحكمة لا بعجلة السوق ـ جريدة الراي.

بتاريخ :الثلاثاء 16 ديسمبر 2025

الناشر :ولاءهنداوي   عدد المشاهدات : 106 مشاهدات

البترول الصخري في مصر… ثروة مؤجَّلة بعين الحكمة لا بعجلة السوق ـ جريدة الراي.

بقلم د / أحمد عبده

 

في عمق الصحراء الغربية، وفي طبقات الأرض التي ما زالت تخبئ أسرارها، يرقد البترول الصخري كضيفٍ لم يُدعَ بعد إلى المائدة الاقتصادية المصرية. وجوده مؤكد، لكن حضوره في المعادلة ما زال مؤجلًا، وكأن الزمن وحده يملك مفتاح الخزان.

 

تُجمع الدراسات الجيولوجية على أن مصر تمتلك تكوينات غنية بالزيت والغاز الصخري، تمتد من تكوينات “أبو رواش” إلى أطراف خليج السويس وشمال سيناء، حيث تشير التقديرات إلى احتياطي محتمل يصل إلى نحو ثمانية مليارات برميل من النفط، وما يقارب مئتي تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري.

لكن كلمة “محتمل” هنا لا تُبشّر بعائدٍ قريب، بل تُذكّرنا أن الطريق من الاكتشاف إلى الجدوى لا يُقاس بالخرائط وحدها، بل بحسابات الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة.

 

فإنتاج البترول الصخري ليس أمرًا يسيرًا. تكلفته تفوق النفط التقليدي بأضعاف، إذ تتراوح كلفة البئر الواحدة بين سبعة واثني عشر مليون دولار، ويحتاج استخراج البرميل الواحد إلى سعر يتجاوز خمسًا وخمسين دولارًا ليبدأ في تحقيق الربح. وفي المقابل، تنتج مصر من النفط التقليدي بأسعار تعادل نصف هذه التكلفة، بينما يظل الغاز الطبيعي ــ كحقل “ظُهر” مثلًا ــ أكثر استقرارًا وربحية وأقل مخاطرة.

هنا تتجلى الحكمة الاقتصادية: ليس كل ما يُكتشف يُستخرج، ولا كل ما يُستخرج يُدارفَع عنه بالسلاح الاقتصادي.

 

إن دخول مصر إلى عالم البترول الصخري الآن، في ظل الضغوط المالية وتقلبات الأسواق العالمية، سيكون أشبه بفتح معركة قبل تجهيز سلاحها. غير أن تأجيل المعركة لا يعني الهزيمة، بل الاستعداد لزمنٍ آخر تتبدل فيه المعطيات وتنخفض فيه التكلفة وتتقدم فيه التكنولوجيا.

 

فمع تطور تقنيات الحفر والتكسير الهيدروليكي، ومع دخول الذكاء الاصطناعي في إدارة الآبار، انخفضت التكلفة العالمية لاستخراج النفط الصخري بنحو نصف قيمتها خلال عقدٍ واحد.

ومع هذا النسق من التطور، ستصبح ثروة مصر الصخرية ــ في المستقبل القريب أو المتوسط ــ ذات قيمة حقيقية للأجيال القادمة، حين تُستخرج بتكلفة أقل وبيئة أنسب وبعائد أعظم.

 

السياسة الرشيدة ليست في استنزاف كل ما نملك، بل في أن نعرف متى ننتظر ومتى نتحرك. فالثروات ليست لمن يكتشفها فقط، بل لمن يُحسن توقيت استثمارها.

والبترول الصخري في مصر ليس حلمًا مؤجلًا، بل ورقة اقتصادية محفوظة في درج الحكمة الوطنية، تُفتح عندما تنضج شروطها ويصبح الوطن مستعدًا لجني ثمارها دون أن يدفع ثمنها من أمنه المائي أو استقراره الاقتصادي.

 

فليظل البترول الصخري شاهدًا على أن بعض الثروات لا تضيء إلا حين يتسع أفق الانتظار…

وأن الوطن، كالأرض، يعرف متى يحتفظ بخيره في عمقه،

حتى يورثه لأبنائه أقوى… وأرخص… وأطهر من شوائب العجلة.

 

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية