الدكروري يكتب عن إياكم وخيانة الوطن

بتاريخ :الجمعة 17 يونيو 2022

الناشر :علاء   عدد المشاهدات : 78 مشاهدات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد كان الصالحون يتحسرون عند الممات على فراق الأعمال الصالحات ويودون لو طالت بهم الحياة للتزود في رفع الدرجات وتكثير الحسنات، فإن الموت لا يفرق بين كبير وصغير، ولا غني وفقير، ولا عبد وأمير، فهذا هو هارون الرشيد، ذاك الذي ملك الأرض وملأها جنودا، ذاك الذي كان يرفع رأسة فيقول للسحابة أمطري في الهند أو في الصين أو حيث شئت فوالله ما تمطرين في أرض إلا وهي تحت ملكي، فقيل أن هارون الرشيد، خرج يوما في رحلة صيد فمرّ برجل يقال له بهلول، فقال هارون عظني يا بُهلول ، قال يا أمير المؤمنين أين آباؤك وأجدادك ؟ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيك؟ فقال هارون الرشيد إنهم ماتوا، فقال بهلول فأين قصورهم؟ قال تلك قصورهم، فقال بهلول وأين قبورهم ؟ فقال هارون الرشيد هذه قبورهم، فقال بُهلول تلك قصورهم، وهذه قبورهم، فما نفعتهم قصورهم في قبورهم ؟ قال صدقت، زدني يا بهلول.

قال أما قصورك في الدنيا فواسعة، فليت قبرك بعد الموت يتسع، فبكى هارون وقال زدني، فقال يا أمير المؤمنين هب أنك ملكت كنوز كسرى وعُمرت السنين فكان ماذا أليس القبر غاية كل حي وتسأل بعده عن كل هذا ؟ قال بلى ثم رجع هارون وانطرح على فراشه مريضا ولم تمضي عليه أيام حتى نزل به الموت، فلما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله كلهم تحت قيادته وأمره فلما رآهم بكى ثم قال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ثم لم يزل يبكي حتى مات فلما مات هل أخذ هذا الخليفة الذي ملك الدنيا وأودع حفرة ضيقة لم يصاحبه فيها وزراؤه ولم يساكنه ندماؤه ولم يدفنوا معه طعاما ولم يفرشوا له فراشا فما أغنى عنه ملكه وماله، ولقد وصلنا إلي زمان أصبح الكثير فيه من الناس إلا ما رحم الله عز وجل من عبادة لديهم الأفكار الهدامة والسلوكيات الغير أخلاقية.

في التفنن في خيانة الوطن وتخريبة بشتي الطرق التي تنوعت وتشكلت علي كل السبل والدروب وإن الدافع وراء كل ذلك هي المصالح الشخصية من تحصيل المال الحرام الذي سيتركه يوما ما وسيحاسب عليه أمام الله عز وجل، فنجد الموظف المرتشي والصانع الغشاش المستهتر الذي لا يتقن صنعته وحرفته ولا يراعي الله عز وجل في عمله ونجد التاجر المحتكر المستغل للظروف والذي لا يبالي بهموم الناس وأوجاعهم وظروفهم المعيشية ونجد النساء التي باعت دينها وتخلت عن أخلاقها وتنازلت عن كرامتها وعفتها وشرفها من أجل المال الحرام فظهرت علي الفضائيات والمواقع لتعرض جسمها وتتمايل أمام الجميع في حيل ملتوية دنيئة خسيسة لكسب المال الحرام وتناست أخلاق الإسلام وتعاليمه السمحه، ولم ترضي برزقها الذي كتبه الله عز وجل لها من طريق الحلال المشروع ونجد من الرجال الذين أصبح لا يوجد لديهم النخوة والرجوله والمروءة.

ممن يتركوا زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم وأمهاتهم للظهور بهذه الصور المؤسفه الغير أخلاقية من أجل المال الذي سيعود وبال عليهم وكل هذا هو تخريب للوطن الذي نعيش فيه وهدم للدين والقيم والأخلاق ولكن يجب علينا أن نصلح من أحوالنا وأن نتقي الله عز وجل في وطننا الحبيب ولنعلم إن حب الوطن غريزة فطرية في الإنسان، وإن حب الوطن ليس مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع، إنما هو سلوك وتضحيات، فالجندي بثباته وصبره وفدائه وتضحيته، والشرطي بسهره على أمن وطنه، والفلاح والعامل والصانع بإتقان كل منهم لعمله، والطبيب والمعلم والمهندس بما يقدم كل منهم في خدمة وطنه، وهكذا في سائر الأعمال والمهن والصناعات يجب على كل منا، أن يقدم ما يثبت به ان حبه للوطن ولاء وعطاء لا مجرد كلام أو أماني أو أحلام، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته.

وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلا، ومن أجله تضحي بكل غالى ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلا عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، ولذا يقول الأصمعي " ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات، الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيدا، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدبا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعا" فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارةز

والتي قد تصل إلى ستين درجة فوق الصفر، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم، وقد روي في ذلك أن مالك بن فهم خرج من السراة وهى بلدة بالحجاز، يريد عمان، قد توسط الطريق، فحنت إبله إلى مراعيها، وقبلت تلتفت إلى نحو السراة وتردد الحنين .

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية