الذكاء في الخروج الآمن

بتاريخ :الجمعة 05 اغسطس 2022

الناشر :Sohaela   عدد المشاهدات : 85 مشاهدات

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد كان التخطيط في الهجرة النبوية الشريفة بأنه ستتم الهجرة إلى المدينة عن طريق ساحل البحر الأحمر، وهو طريق وعر غير مألوف لا يعرفه كثير من الناس، وليس هو الطريق المعتاد للذهاب إلى المدينة، وذلك حتى يضمنوا الاختفاء عن أعين المشركين، وسيتم استئجار دليل يصحبهم في هذه الرحلة لأن الطريق غير معروف، والضياع في الصحراء أمر خطير، ولا بد أن يكون هذا الدليل ماهرا في حرفته، أمينا على السر، وفي الوقت ذاته لا يشك المشركون في أمره، وقد اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصديق، على أن يكون هذا الرجل هو عبد الله بن أريقط، وهو من المشركين وهذا في منتهى الذكاء، فالمشركون لن يشكوا مطلقا في أمره إذا رأوه سائرا في خارج مكة، وهو في الوقت ذاته رجل أمين يكتم السر، وهو رجل في النهاية صاحب مصلحة.

 

فقد استؤجر بالمال، ولا شك أن أجرته كانت مجزية، وأنه سيتجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضى الله عنه في أول الهجرة إلى الجنوب في اتجاه اليمن لمسافة خمسة أميال كاملة أي حوالي ثمانية كيلو مترات، وهي مسافة كبيرة، مع أن المدينة في شمال مكة وليست في جنوبها، ولكن ذلك إمعانا في التمويه لأن المشركين إذا افتقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أنهم سيطلبونه في اتجاه المدينة وليس في اتجاه اليمن، وأنه سيتم الذهاب إلى غار ثور في جنوب مكة، وهو غار غير مأهول في جبل شامخ وعر الطريق، صعب المرتقى، وسيبقيان في هذا الغار مدة ثلاثة أيام كاملة، ولن يتحركا في اتجاه المدينة إلا بعد انقضاء هذه الأيام الثلاثة، حين يفقد أهل قريش الأمل في العثور عليهم، فيكون ذلك أدعى لأمانهم، وسوف يتركان الراحلتين مع عبد الله بن أريقط الدليل. 

 

على أن يقابلهما عند الغار بعد الأيام الثلاثة، وأنه سيقوم عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بدور المخابرات الإسلامية في هذه العملية الخطيرة، فهو سيذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه كل يوم بأخبار مكة، وتحركات القرشيين، وردود الأفعال لخروج الرسول صلى الله عليه وسلم، وسوف يأتي في أول الليل، وسيبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق طوال الليل ثم يعود إلى مكة قبل الفجر، ويبيت هناك، ثم يظهر نفسه للناس، فلا يشك أحد في أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأنه سيقوم عامر بن فهيرة رضي الله عنه مولى الصديق رضي الله عنه بدور التغطية الأمنية لهذه العملية، وذلك برعي الأغنام فوق آثار أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق، ثم فوق آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بعد ذلك. 

 

حتى يضيع على المشركين فرصة تتبع آثار الأقدام، وستقوم السيدة الفاضلة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها بدور الإمداد والتموين لهذه العملية الصعبة، فهي ستحمل الطعام والماء، وتتجه به كل يوم إلى غار ثور إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها الصديق رضي الله عنه، وستقوم السيدة أسماء بهذا الدور لأنه لن يشك أحد في أمر امرأة تسير في الصحراء، وخاصة أنها كانت في الشهور الأخيرة من حملها، وتخيل معي كيف لامرأة حامل في شهورها الأخيرة أن تحمل الطعام والشراب، وتسير به مسافة ثمانية كيلو مترات في الصحراء، ثم تصعد الجبل الصعب الذي به غار ثور، وتفعل ذلك ثلاثة أيام متواصلة، وقد تظن هذا الأمر عجيبا، لكن يزول العجب عندما تعلم أنها قد تربت في بيت الصديق رضي الله عنه، وبذلك استنفد الرسول صلى الله عليه وسلم. 

 

وصاحبه الصديق رضي الله عنه وسعهما في إنجاح الخطة، ورفعا أيديهما إلى الله سبحانه وتعالى أن يكتب لهما النجاة، وقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته بعد وضع الخطة المحكمة، وجهز نفسه، واستقدم الإمام علي رضي الله عنه لينام مكانه، وأعطاه برده الأخضر ليتغطى به، وعرفه بالأمانات وأصحابها، ثم جاء وقت الرحيل، والذهاب إلى بيت الصديق رضي الله عنه، ولكن اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاجأة، أحاط المشركون ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إحاطة كاملة، وجاءوا قبل الموعد الذي ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يجيئون فيه، ولكن ماذا فعل أهل قريش عندما اكتشفوا خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة؟ فلقد أعلنت حالة الطوارئ القصوى في مكة، وقاموا باستنفار عام لكل العناصر المشركة.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية