اليوان الذهبي.. العالم يعيد صياغة نفسه بعد الدولار - جريدة الراي

بتاريخ :الجمعة 07 نوفمبر 2025

الناشر :ناهد صفوت   عدد المشاهدات : 187 مشاهدات


بقلم د. أحمد عبده

منذ أن دوّت أصوات المدافع الأولى في الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، كان العالم على موعدٍ مع زلزالٍ لم تهتز له الجبهات وحدها، بل اهتزّت معه ركائز الاقتصاد الدولي بأكملها. فحين أقدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها على تجميد ما يقرب من 300 مليار دولار من الاحتياطيات الروسية في مارس من ذلك العام، لم يكن ما حدث عقوبةً على غزو، بقدر ما كان إعلانًا صريحًا بانتهاء مفهوم “الأمان المالي” في النظام الغربي.
كانت تلك اللحظة هي النقطة التي أدركت فيها الدول غير الغربية أن المال لم يعد محايدًا، وأن الاحتياطيات بالدولار قد تُصادر بقرارٍ سياسي، وأن الثقة — التي بُني عليها النظام المالي منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944 — قد تآكلت لأول مرة منذ قرن.

من هناك بدأ التحول.
روسيا بدأت تسعير صادراتها من الطاقة بعملاتها الوطنية، والصين سارعت إلى عقد اتفاقيات لتسوية التبادلات التجارية باليوان مع أكثر من 30 دولة خلال عامي 2023 و2024، فيما كانت احتياطيات الذهب الصينية ترتفع لتتجاوز 2200 طن في منتصف 2025، وهو أعلى مستوى في تاريخها. وفي الأفق، كانت منظمة البريكس تتوسع بانضمام مصر والسعودية والإمارات وإيران مطلع عام 2024، لتتحول من تجمع اقتصادي محدود إلى تكتل يمثل نحو 45% من سكان الكوكب وقرابة 30% من الناتج العالمي.

في خضم هذه التحولات، ولد ما يُعرف اليوم بـ “الممر الذهبي الصيني”؛ سلسلة من خطوط النقل واللوجستيات التي تربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، لتُصبح التجارة لا تمر عبر الموانئ الأمريكية وحدها، بل عبر ممرات جديدة تُموَّل وتُؤمَّن وتُسعَّر بالذهب واليوان.
بورصة شنغهاي بدورها شهدت في أغسطس 2025 أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات بعد إدراج صناديق جديدة للمعادن الثمينة والسلع المقوّمة باليوان، في إشارة رمزية إلى انتقال مركز الجاذبية المالي شرقًا.

المشهد العالمي الآن يُعاد ترتيبه على مهل، لكن بخطوات ثابتة:
الدولار لم يعد وحده في الميدان، والذهب عاد إلى المسرح لاعبًا أصيلًا بعد أن طُرد منذ عام 1971 حين فكّ نيكسون ارتباطه بالنقد الأمريكي.
اليوان الذهبي يطلّ من الشرق كعملة تسوية جديدة مدعومة بما تملكه الصين والبريكس من احتياطيات حقيقية لا يمكن تجميدها ولا مصادرتها، بل تُختزن في الأرض وتُقاس بوزنها لا بتوقيعها.

وربما لم يعد السؤال: هل سينتهي عصر الدولار؟
بل أصبح: كم سيستغرق العالم ليجد توازنه في نظام مالي متعدد الأقطاب؟

وفي قلب هذا التحول، تظل مصر — بحكم موقعها ومكانتها وتاريخها — معنية بأن تفهم أين تقف من هذه المعادلة الجديدة، فالممرات تمر عبر أرضها، والبريكس باتت بيتها، والذهب الذي يعود ليحكم العالم طالما كان ساكنًا في صحرائها.
هي ليست مجرد متابعة للعبة الأمم، بل شريك في كتابتها من جديد.

وفي النهاية، يظل يقيني أن من يملك وعيه يملك قراره،
ومن يقرأ حركة الذهب لا يُخدَع ببريق الورق.
فالعالم يتغير، ومصر — كعادتها — واقفة عند مفترق الضوء،
تراقب، وتستعد... وتكتب التاريخ من جديد.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية