مصر حين تُعلن قوتها الهادئة… قراءة في ظلال إيديكس 2025

بتاريخ :الثلاثاء 02 ديسمبر 2025

الناشر :سلمى عبد الفتاح   عدد المشاهدات : 48 مشاهدات


بقلم د/ احمد عبده 

هناك أحداث لا تُقاس بعدد الحضور، ولا بحجم المعروضات، بل بما تتركه في الوعي الجمعي من يقين جديد بأن الوطن يمضي في طريقه بثبات لا يعرف التردّد. هكذا بدا افتتاح إيديكس 2025… مشهدًا يتجاوز حدود العرض العسكري إلى معنى أكبر: أن مصر قررت أن تُعلن قوتها الهادئة، وتعيد تعريف موقعها في الإقليم بلغة الفعل لا القول.

لم يكن افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي مجرّد بروتوكول رسمي، بل كان إشارة قاطعة بأن الدولة تُمسك بإرادتها الدفاعية بنفس الجدية التي تُمسك بها ملفات التنمية. فالأمن القومي لم يعد ملفًا تقليديًا تُديره الظروف، بل أصبح مشروع دولة تدرك أن قوتها تبدأ من قدرتها على حماية قرارها، وتأمين حدودها، وصناعة أدوات الردع بيدها لا بيد الآخرين.

في أجنحة إيديكس، لم تكن الأسلحة وحدها هي المعروضة، بل كانت الإرادة. إرادة دولة خرجت من سنوات صعبة، وقررت ألا تعتمد على الخارج إلا بالقدر الذي يخدم مصلحتها، وأن تبني صناعاتها، وتطوّر تكنولوجياتها، وتفتح أبوابها لشراكات تُعيد رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط. فالمعرض الذي بدأ كحدث دفاعي أصبح اليوم منصة استراتيجية تُظهر كيف انتقلت مصر من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج، ومن موقع التلقي إلى موضع التأثير.

وفي منطقة تموج بالتحولات، وتختلط فيها السياسة بالسلاح، وتتنازعها المصالح المتداخلة، تحرص مصر على إرسال رسالة واضحة: لسنا طرفًا يُستدرج إلى صراعات، ولسنا دولة تبحث عن دور مُستعار، بل نحن أصل المعادلة… وجذع الإقليم الذي لا تستقيم موازينه دون حضوره.
فالقوة المصرية ليست استعراضًا، ولا رغبة في التفوّق على أحد، بل هي ضرورة وطنية تستند إلى تاريخ طويل علّم المصريين أن الدولة التي لا تحمي نفسها… لا يحميها أحد.

إيديكس 2025 لم يكن مناسبة للاحتفاء بقدرات عسكرية فحسب، بل كان إعلانًا أن التكنولوجيا الدفاعية أصبحت جزءًا من مشروع قومي أوسع؛ مشروع يعيد بناء الصناعة، ويعزز البحث العلمي، ويوفر وظائف جديدة، ويفتح أبوابًا لآفاق اقتصادية تتجاوز حدود الدفاع إلى فضاء التنمية الشاملة.

وهكذا، بدا المعرض هذا العام وكأنه رسالة مطمئنة لكل مصري يشعر بثقل المنطقة من حوله: وطنكم يقف على أرض صلبة، ويمتلك ما يكفي من الرؤية والقوة ليحمي مستقبله، ويمضي بثقة نحو مكان يتسق مع تاريخه وحضوره ومكانته.

وفي النهاية… يبقى الوطن هو المعنى الذي لا يُختصر، والقيمة التي لا تُستبدل، والبوصلة التي تُعيدنا لأنفسنا كلما ضاقت الخطوات… وكلما طال الطريق.

اخبار أخري

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية