«كتابية» وذكرى رحيل الزعيم

بتاريخ :الأربعاء 27 سبتمبر 2017

هذا الأسبوع تمر الذكرى الـ47 لوفاة الزعيم جمال عبد الناصر، وناصر أولاً وأخيراً بشر يخطئ ويصيب له سلبياته كما أن له إيجابياته، فلا أحد يؤله بشراً ولا أحد يقدس إنساناً، كما أن التاريخ سيظهر الحق ولا يخفى الحقيقة، فلا يوجد نظام أو أن هناك حاكما قد جاء ورحل ولا يتم نقده ولا يحدث تقييمه، ولكن النقد والتقييم له مواصفاته وأسلوبه العلمى والموضوعى، كما أن له أدواته التقييمية التى تلتزم الحياد الموضوعى لدراسة وتحليل النتائج، كما أن التقييم والنقد لا يكون حسب معطيات الواقع الآن فلا يعقل أن يتم تقييم ثورة يوليو 52 وعبدالناصر وقراراته وسياساته بمعايير 2017، ولكن أدوات التقييم هنا هى ذات الزمان الذى تمت فيه الأحداث كذلك الظروف والمعطيات والواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى مع عدم إغفال الواقع والظروف الإقليمية والعالمية حين إذ، فماذا كان واقع المجتمع وما هى حاله الأحزاب السياسية وما علاقة الحاكم بالشعب؟ وماذا كان واقع المصريين المسيطر عليهم ثلاثى الفقر والجهل والمرض؟ وما أوضاع مصر فى ضوء احتلال بريطانى جاثم على صدرها منذ عام 1882؟ وكيف كانت أمنيات الكثيرين على القضاء على ظاهرة الحفاء؟ وكيف كان النظام العالمى الذى كان تحكمه قوتين «أمريكا والاتحاد السوفيتى»؟ هنا وبهذه المقاييس وبتلك الأدوات يجب أن يتم تقييم عبدالناصر ونظامه، والتقييم هنا لا يعنى رأى الأغلبية والأقلية التى تؤيد أو تعارض، فالحقيقة هنا أن الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى قد استفادت من نظام عبد الناصر وأن الأقلية التى كانت تحكم وتستحكم فى البشر هى التى أضيرت ولهم ما يريدون.

 وفى هذا الإطار ونحن نحتفل بذكرى وفاة الزعيم يخرج علينا عمرو موسى أمين جامعة الدول العربية الأسبق الذى أحبه شعبان عبد الرحيم أكثر من أسرائيل فى كتابه «كتابيه» الذى احتفى به محبوه الذين يجيدون الظهور الإعلامى باعتبار ذلك نصراً كبيراً وإضافة سياسية وتاريخية لا نظير لها، فقد أتحفنا موسى بمعلومات وأسرار كثيرة ورهيبة تقلب الموازين وتسقط كل التقييمات المناصرة لعبدالناصر، فقد قال لا فض فوه ومات حاسدوه أن عبدالناصر كان يستورد طعاماً خاصاً من الخارج وتحديداً من سويسرا لاهتمامه بنظام غذائى يؤدى إلى خفض وزنه، وكان يرسل من وقت لآخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالرجيم من سويسرا، وكان رجلاً ضخم الجثة يأتى لاستلام الطعام من موسى الذى كان مسؤولاً عن التسليم، كما وصف موسى عبدالناصر بالديكتاتور الذى قاد مصر للهزيمة، مضيفاً أن التنحى مسرحية وأن عبدالناصر اختصر مصر فى شخصه فكل ما هو جيد له هو جيد لمصر واعتبر موسى أن سياساته سبب لاندلاع ثورة يناير، أما حكاية الطعام فلماذا هذه المعلومة الآن بعد تلك السنوات الطوال؟ وهل عدم الإفصاح كان نوعاً من البراجماتية النفعية والانتهازية الذاتية وعدم القدرة على المواجهة؟ وبعيداً عن الإجابة المعروفة فما هو اسم الشخص ضخم الجثة هذا؟ وما نوع الطعام المستورد؟ ألم تحاول المخابرات الخارجية وكل الذين يتصيدون لعبدالناصر وقد كانوا كثر أن يكشفوا هذا السر الحربى الخطير حتى يستغلوا هذا فى إسقاط مصداقية عبدالناصر حيث كان من المعروف، ومازال أن عبدالناصر يعيش حسب الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت كما أن أكلته المفضلة والمعروفة هى الجبنة القريش، قال موسى إن عبدالناصر ديكتاتور.

 فماذا يعنى بالديكتاتور؟ وماذا كان شكل الحكم والحكام فى المنطقة بل فى أغلب العالم حين ذاك؟ وما نوع الحكم المصرى منذ مينا وحتى الآن؟ ومع ذلك فإذا كانت الديكتاتورية التى هى ضد الديموقراطية التى تتغنى وتتاجر بها فالديكتاتور هذا كان يسعى للنهوض بالوطن والشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية نعم فى ظل نظام الحزب الواحد الذى كان سمة الوقت وليست الديمقراطية الشكلية التى لا تعطى حرية المواطن فى حق الاختيار بعيداً عن الضغوط السياسية  «الاستعمار والتبعية» والاقتصادية «الفقر» والثقافية «القبلية والطائفية الدينية»، ففى الحزب الواحد ومنظمة الشباب كنا نمارس أقصى وأقسى أنواع المعارضة والاعتراض.

 كان الديكتاتور ذاته يوجه النقد والانتقاد لكل ما هو خطأ فى خطاباته الجماهيرية، أما مسرحية التنحى هذا ادعاء كاذب وتكرار ممل وعدم قراءة موضوعية لواقع شهده العالم كله، فمن الذى أعد وأخرج الملايين الهادرة ليس فى مصر ومحافظاتها وقرأها فقط بل فى كل بلاد العالم العربى؟ فهل كان الاتحاد الاشتراكى كما تدعون له هذه السطوة وتلك السيطرة على الداخل والخارج؟ لقد خرجنا يا سيد موسى إلى الشوارع بكامل إرادتنا خوفاً على مصر وحباً وثقة فى عبدالناصر، فالجماهير لم تخرج لشخص عبدالناصر ولكن خرجت فى لحظة انتماء حقيقى لمصر عندما أحست بالخطر وهذه هى طبيعة الشعب المصرى لمن يعرف قيمة هذا الشعب ومعدنه الأصيل.

 أما اختصار مصر فى شخص عبدالناصر فإن الحقيقة يا سيد عمرو التى تريد تجاهلها أن عبد الناصر عبر عن طموحات وآمال الشعب المصرى فى لحظة تاريخية فاصلة فكان ومازال ملكاً لمصر وللمصريين بل للعرب، أما حالة التغييب التى أفرزت مقوله أن سياسات عبدالناصر كانت سبباً فى اندلاع أحداث يناير 2011 فهذا تحليل لا يقبله من لا يعرف ألف باء سياسة، فأين نظام عبدالناصر تحديدا بعد عام 1974 وبعد التوجه الاقتصادى الجديد وبعد تسليم المفتاح لأمريكا وبعد اتفاقية كامب ديفيد، فغياب نظام عبدالناصر هو الذى راكم السلبيات التى كانت دافعاً ثورياً للشعب المصرى الذى خرج فى يناير رافعاً صور عبدالناصر مردداً لمبادئه متغنياً بأغانيه الوطنية.

  ولذلك فغياب سياساته وتوارى فكره وتجاهل منهجه هو الذى جاء بثورة يناير، على كل الأحوال فالرأى متاح والمعارضة مشروعة والاختلاف جائز والحوار والرأى والرأى الأخر واجب، فلا قداسة لشخص ولا عصمة لنظام، ولكن الأهم هو الانتماء لمصر والإيمان بشعبها بعيداً عن المصالح الذاتيه والظهور الإعلامى فكفى فتح دفاتر الماضى، فالأهم هو الحاضر وكيف نواجه هذه التحديات الخطيرة التى تحيط بالوطن، فماذا فعلنا وماذا سنفعل غير تلك الترهات لمواجهة هذه التحديات؟ هذه هى القضية. حفظ الله مصر وشعبها العظيم. 

جميع الحقوق محفوظة لجريدة الراي المصرية